المسرحي البحريني عبدالله السعداوي قدّم مسرحيته الرائعة «متروشكا» في صحيفة «الوسط» وذلك قبل البدء بحفل تكريمه على إنجازاته المبدعة. عندما قال لي الإخوة في قسم الدراسات والمنوعات إن تكريم السعداوي سيتضمن عرضه للمسرحية، كان سؤالي: كيف سيقدّمها من دون أن يكون لدينا مسرح في الصحيفة؟ بيد أنهم طمأنوني بأن مسرح السعداوي ينتقل معه، وكل شيء سيكون على مايرام.
وهكذا حضرت العرض، الذي كان فيه المسرح عبارة عن مقعدين مع اثنين من الممثلين الذين يجلسون وسط دائرة جمهورهم، والجمهور يتحوّل إلى جزء من المسرحية، وذلك عندما تتقاطع المشاهد المسرحية في عدّة أجزاء مع بعضها بعضا، ومع الجمهور، ومع قضايا مختلفة متداخلة ومعقدة، ولكنها ذات جوهر واحد يستشفه المشاهد الذي يتحوّل إلى جزء من البيئة التمثيلية.
الحوارات الثنائية بين أب وابنه، وبين طبيب ومريض، تتقاطع بين قضايا العنف المنزلي وقضية فلسطين، بين سعادة الشباب المنفلت وضياعه في وسط التهالك على المادة، بين الحياة-الميتة من دون شعور بالآخرين وبين المعاناة-الحيوية من خلال الإحساس بالآخرين... بين أصحاب النفوذ الذين لديهم مايشاءون من ثروات ولكنهم محرومون من احترام داخل منزلهم، وبين أولئك الممتلئين كرامة حتى لو انهكهم النضال... بين الذين يناضلون من أجل أن يخنعوا ويندثروا، وبين من لايرفعون شعارات ولكن رؤوسهم مرفوعة ... التقاطعات في «متروشكا» السعداوي كثيرة ومتنوعة، وفي واحدة منها يشير إلى أن «أعداد الموتى يزيدون»... في تناقض واضح مع ماتقوله الأمم المتحدة من أعداد البشر يزدادون... فالسعداوي يعتبر الذين يعيشون من دون محتوى أمواتا، وأن انعدام المحتوى يزداد، وبالتالي يزداد الأحياء - الأموات.
المبدعون البحرينيون يستحقون إفساح الفرصة لهم، وليس هناك أفضل من تفريغ أمثال السعداوي، ولكن التفريغ يجب أن يكون مع وضع أهداف محددة، وهي الاستمرار بإنتاج مثل هذه المسرحيات والأعمال بالمعدل المتوقع من المبدعين الدوليين والإقليميين... يمكننا أن نصعد بصناعة الثقافة كثيرا فيما لو التفتنا إلى مابين أيدينا، ويمكننا أن ندرج تشجيع الثقافة كجزء أساسي من أنشطة الشركات والمؤسسات الكبرى، تماما كما أن هناك الآن توجها لدعم برامج تنموية في المجتمع... غير أن الفرق في دعم الثقافة هو أنه بإمكاننا أن نخلق وظائف ذات مردود مرتفع، وأن نشجع العاملين في هذا المجال على البقاء في بلادهم والإبداع في بلادهم ورفع اسم بلادهم، من خلال إشعارهم بالتقدير لمايقدمونه من أعمال فنية مسرحية وشعرية وتراثية وثقافية.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1707 - الأربعاء 09 مايو 2007م الموافق 21 ربيع الثاني 1428هـ