العدد 1706 - الثلثاء 08 مايو 2007م الموافق 20 ربيع الثاني 1428هـ

هل بدأ عصر المحاسبة؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بين يديّ صورةٌ للوحة التصويت الالكترونية التي أسفرت عنها جلسة مجلس النواب أمس. الصورة تكشف وجود 19 موافقا، 17 غير موافق، و3 ممتنعين عن التصويت، مع تغيّب نائبٍ عن الحضور.

اللوحة لا تحتاج إلى عبقريةٍ حتى تكتشف انتماءات المصوّتين ومواقف الكتل التي يحكمها قانون الإجماع تقريبا... وهي مواقف على كل حال لا تسر.

من السهولة أن نفهم أن لكل كتلةٍ جمهورها ومناطقها واهتماماتها ومصالحها، وهي تعمل وفق هذه الاعتبارات. ومن السهل أيضا أن نفهم أن ما جرى أمس من تصويتٍ وفرزٍ واضحٍ في المواقف... أمرٌ يحدث في بلدان أخرى. لكن الباعث على الحزن أن هذا الاصطفاف بمقدار ما روعيت فيه مصلحة «الفئة» ابتعد عن مصلحة «العامة»، وهو ما ستجده منعكسا أيضا على موقف الإعلام المقروء.

قد يختلف الكثيرون مع «الوفاق» أو يتفقون بشأن مناسبة التوقيت، ولكن ما لا يمكن الاختلاف عليه هو أن هناك «اجتهادا» من جانب «الوفاق» في قضية تؤرّق الشعب كله، وهي قضية الفساد المالي والإداري. أهمية الاجتهاد هنا هي أنه يمثل خطوة طال انتظارها من قبل الشارع، بعد أن تشبّع الجميع بالحديث عن الفساد «المالي» و«الإداري»، سواء في الصحافة أو المجالس والمنتديات والندوات والديوانيات. ليس هناك أحدٌ في البحرين اليوم، من أيّ فصيلٍ كان، ينفي وجود هذا الأخطبوط الذي يعيش في الظلام ويراهن على استمرار الممالأة والصمت.

في الماضي حين سادت سياسة قمع الأصوات، لم يكن أحدٌ يجرؤ على التلفظ بكلمة «فساد»، أما اليوم فمع تعدّد المنابر الإعلامية في ظل هذا الهامش من حرية التعبير، أصبحت المفردتان تطرحان يوميا في الأدبيات السياسية في البلد. والاستجواب أمس نقلةٌ لابد منها ومسئوليةٌ وواجبٌ مطالبٌ به البرلمان، ولو لم يأتِ اليوم سيأتي غدا، فهو استحقاق انتخابي حتمي ينتظره الشعب.

بعيدا عن الأسماء والحساسيات، كان المفروض على النواب أن يهتموا بالتركيز على التهم الموجبة للاستجواب، فهناك تهمٌ محددةٌ، ومخالفاتٌ منسوبةٌ للوزير، والرأي العام يدرك تماما أنها ليست مفبركة أو مفتراة، وإنما تستند إلى أحكام دستورية وتصريحات صحافية موثّقة للوزير، وممارسات مخالفة للقانون، من بينها استغلال المنصب الحكومي وتسخير الموظفين العموميين لأغراض شخصية.

من السهل في ظل أجواء الاصطفافات الفئوية أن يدفع البعض بدفوعات غير مقنعة، على الطريقة العربية التقليدية في تزكية من نحب تزكية مسبقة شاملة كاملة، ولكنها ليست طريقة سليمة ولا عصرية ولا مقنعة قانونيا... إذا وضعنا المصلحة العامة ومستقبل البلد وتطوره السياسي في عين الاعتبار.

ليس المقام مقام وعظٍ لنذكّر الإسلاميين الذين يسيطرون على البرلمان بأخلاقيات وسير الخلفاء الراشدين (رض)، وكيف كانوا يهتمون بتطبيق العدل والمساواة على الجميع. كلهم يعرفون قصة الخليفة الذي جلد ابنه بالسوط لأنه تجاوز قانون الدولة بشرب الخمر. كلهم يعرفون سيرة الخليفة العادل الذي استدعى واليه على البحرين وانتزع منه نصف ثروته لأنه شكّ في سلامة ذمته المالية. نصف النواب الحاليين خطباء منبر، يتلذّذون بتذكير الناس بقصص الخلفاء الراشدين ومحاسبتهم للمسئولين وتشدّدهم في إجراءات حفظ المال العام، في سياق حضارةٍ نفخر بأنها أول من شرّع قانون «من أين لك هذا»، قبل 1200 سنة من الثورة الفرنسية. من هنا كنا ننتظر «إجماع» النواب وليس انقسامهم، على أول خطوةٍ جديةٍ في طريق الإصلاح المالي والسياسي، وحرصهم على حفظ «بيت مال المسلمين».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1706 - الثلثاء 08 مايو 2007م الموافق 20 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً