العدد 1706 - الثلثاء 08 مايو 2007م الموافق 20 ربيع الثاني 1428هـ

سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه التحول الديمقراطي في الخليج (2)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

كما ذكرنا سابقا فإنه لا توجد حتى الآن سياسة موحدة لدول الاتحاد الأوروبي تجاه قضية الإصلاح والتحول الديمقراطي في دول مجلس التعاون، وبانتظار التوصل إلى اتفاق التجارة الحرة بين الاتحاد والمجلس، وعلى افتراض أنه سيتضمن بعض البنود المتعلقة بحقوق الإنسان والإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي فإنه من المهم ذكر توجهات البلدان الكبرى في الاتحاد.

وضعت قمة سي آيلند في جورجيا بالولايات المتحدة الأميركية - التي حضرها إلى جانب زعماء الدول الكبرى عدد من زعماء الدول العربية ومعهم جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة - الأرضية لمشروع منتدى المستقبل، الذي دشن في اجتماعه التأسيسي في الرباط في ديسمبر/ كانون الأول 2004، وعقد دورته الثانية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005 في مملكة البحرين. وما يهمنا هنا هو أن معظم البرامج التي تبنتها الدول الأوروبية الكبرى هي في إطار المشروعات التي تبناها منتدى المستقبل بقيادة الولايات المتحدة، وليست في إطار الاتحاد الأوروبي.

بريطانيا مثلا تبنت برنامج برلمان الشباب، وتدريب البرلمانيين وتمكين المرأة، وتعزيز الشفافية. وفرنسا تبنت تبادل الخبرات النسائية والحوار الثقافي. وإيطاليا تبنت برنامج الحوار لتعزيز الديمقراطية (DAD). فيما تبنت ألمانيا دعم التدريب المهني التعليمي. كما التزمت الدول الأربع دعم أهم مؤسستين انبثقتا من منتدى المستقبل وهما مؤسسة المستقبل المعنية بدعم مؤسسات المجتمع المدني في البلدان الشريكة (الدول العربية وغرب آسيا) وصندوق المستقبل لدعم أصحاب العمل الشبان والمبتدئين في هذه الدول.

ولكنه من الواضح أن منتدى المستقبل ومشروعاته ومؤسساته تتعثر مع تراجع الاهتمام الأميركي بالإصلاحات والتحول الديمقراطي في ضوء مأزقها العميق في العراق، وعملها على إقامة تحالف مع من تعتبرهم أنظمة معتدلة في مواجهة إيران وسورية والقوى الإسلامية الراديكالية في لبنان وفلسطين والمنطقة عموما.

لم تتدفق الأموال الموعودة على المؤسستين، وتراجعت البرامج التي تصب في جهود المجتمع المدني في منتدى المستقبل مثل برنامج الشفافية، وحكم القانون وتمكين المرأة والحوار من أجل الديمقراطية، ودعم أصحاب المشروعات الشباب.

هذه المشروعات وغيرها في منطقتنا أو في مناطق أخرى من العالم ارتبطت بالاستراتيجية الأميركية أو الحرب الأميركية الكونية ضد الإرهاب، التي لم تلقَ الترحيب على النطاق الشعبي وينظر إليها بريبة حتى من القوى الأهلية الديمقراطية والإصلاحية.

من هنا، فإن الاتحاد الأوروبي ودوله مطالب باستراتيجية تخصه هو وتكون مختلفة تماما عن المشروع الأميركي في منطلقاتها وفي مقارباتها وفي محتاها وفي وسائلها.

وإذا نظرنا إلى مجلس التعاون الخليجي، فإن مقاربة الإصلاح وحقوق الإنسان والحكم الصالح والتحول الديمقراطي تتباين طبعا من بلد إلى آخر. ولكنه إذا أريد لمجلس التعاون الخليجي أن يتحول إلى كيان سياسي فاعل - كما هو معلن في البيان التأسيسي للاتحاد في قمة أبوظبي 1980 - فإنه يجب أن تكون المعايير الديمقراطية والحكم الصالح وحكم القانون واحترام حقوق الإنسان والمشاركة السياسية والتحديث في صلب قواعد هذا المجلس، كما فعلت أوروبا في بنائها الاتحاد الأوروبي.

يستطيع الاتحاد الأوروبي - إذا ما رغب المجلس ودوله - في أن يقدم الكثير من الخبرات والدعم سواء للحكومات أو القطاع الخاص أو المجتمع المدني. حتى داخل الاتحاد الأوروبي، إذ لم يكن بإمكان بلدان وقعت تحت الحكم الدكتاتوري مثل إسبانيا والبرتغال واليونان، ودول وقعت تحت الحكم الشمولي في أوروبا الشرقية، وهي جميعا دول متخلفة قياسا على دول غرب أوروبا، أن تؤهل وتلتحق بالاتحاد وتندمج فيه، إلا بدعم الدول المتقدمة.

إذا، المطلوب هو أن تكون قضايا التحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي لدول المجلس وبُنى المجلس، والإصلاحات المطلوبة في صلب المحادثات والمفاوضات الجارية بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، وألا تقتصر المفاوضات على التعاون الاقتصادي والتجاري.

كما أن من مسئولية منظمات المجتمع المدني في دول المجلس - على رغم ضمورها وتهميشها بل إلغائها تماما في بضع دول المجلس - أن تبادر إلى تقديم رؤيتها إلى الاتحاد الأوروبي وإلى مؤسساته مثل المفوضية العليا ومجلس أوروبا والبرلمان الأوروبي، فيما يتعلق بالمفاوضات الجارية بين الاتحاد والمجلس.

إن من الملاحظ أن الأمانة العامة للمجلس ودول المجلس تعتم تماما على ما يجري من مفاوضات حتى تجاه المجالس التشريعية على رغم محدودية صلاحياتها، ولكن الاتحاد الأوروبي ملزمٌ أن يعرض اتفاق التجارة الحرة مع مجلس التعاون على البرلمان الأوروبي، وبالتالي فإنه وقبل فوات الأوان يجب تحرك ممثلي المجتمع المدني في دول المجلس تجاه البرلمان الأوروبي.

قد لا يتحقق الكثير في ضوء الوضع السائد في بلداننا باستئثار الحكم بكل السلطات، ولكنها مهمة تستحق المحاولة على أية حال.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1706 - الثلثاء 08 مايو 2007م الموافق 20 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً