في الآونة الأخيرة انتشرت موضة جديدة في البحرين اسمها المعايير وفي ضوئها يتم تصنيف الحالات لقبولها أو استثنائها، ولا أعرف كيف تم اشتقاق المعايير في أي برج من البروج تم الجلوس فيه وصوغها؟! لأنها في الواقع لا تعكس الواقع ولا تلبي الطموح ولا تعالج المشكلات الاقتصادية التي يضج منها الناس في البحرين فبدلا من البحث عن معايير لزيادة الشريحة المستفيدة من المساعدات المعيشية نجدهم يبحثون عن معايير بل صوغ المعايير من أجل التقليل من أعداد المستفيدين ولتذليل على عدم صحة تلك المعايير ، نذكر هنا حالة من الحالات التي لا تنطبق عليها الشروط ولكن التشخيص يدلنا على حاجة الأسرة إلى مساعدات مالية حتى تعيش.
بحسب المعايير فإن كل من يزيد راتبه عن 500 د.ب مستثنى.
اتصلّ بي أحد الإخوة ممن يتقاضى راتبا يزيد قليلا عن المبلغ الذي يسد رمق عائلته، أما زوجته فهي تعمل أيضا في أحد الحقول وراتبها يتجاوز ذلك بقليل، ومع ذلك يشعر أن مثل تلك الحالات تعد بحاجة ماسة إلى مساعدات أخرى فالحياة في غلاء مستمر، وفي الأشهر الثلاثة الأخيرة الرواتب لا تكفي حتى لنصف الشهر وهناك التزامات مالية كبيرة تتكبّدها الحياة ومن ثم المفاجأة بأن الحسابات تعود من جديد إلى الصفر فهناك قروض شخصية وأقساط الإسكان وجمعيات وفواتير للكهرباء والماء والهاتف وبنزين للسيارات ومئونة منازل ومصاريف للمدارس، هل تتخيلون معي بأنه في أحد الأيام صحا ذلك المواطن ليبحث عن 100 فلس وليس ليبحث عن 100 دينار لشراء خبز فلم يجد ما يبحث عنه؟ بحث في محفظته وفي محفظة زوجته، وفي كل مكان ربما يكون قد نسى بعضا منها فلم يجد ما يبحث عنه، هل تتوقعون بأن أحد الأشخاص راتبه يتجاوز الـ 500 دينار والتي تنظر له الحكومة بأنه ثري ولا يستحق مساعدة أن يكون حالة كهذا في منتصف الشهر لا يجد 100 فلس لشراء خبز يقول:» بحثت في كل مكان لعلي أجد هذا المبلغ البسيط لأتناول إفطاري وأذهب إلى العمل وبحثت عنها في كل مكان لعلّي أجد إحداها قد ضاعت منّي في نهاية الشهر حتى تحت كراسي السيارة فأخذت أحرّكها وبحثت في «بيتي السيارة»، ولكن المبلغ البسيط خذلني ولم أجده أضطررت حينها اللجوء إلى صندوق الصدقات لكي أستلف منه مبلغا بسيطا على أن أعيده من جديد نهاية الشهر» تفاجأ بأنه عندما لجأ وكان ذلك الخيار الأخير لديه ؛لأنه أصلا لم يعتد على اللجوء إلى صندوق الصدقات التي تخرج بنية مساعدة الفقراء ودفع البلاء عن أسرته، كانت المفاجأة بأن الصندوق كان خاليا إذ إن ربة الأسرة كلما وجدت حالتهم هكذا تقول في نفسها إذا ما حال بقية الأسر الفقيرة المعدمة، فكانت لا تفتأ أن توفر جزءا منها وتخرجه بسرعة أكبر، إلى الحد الذي جاء اليوم الذي يلجأ فيه رب الأسرة ؛ ليستلف منه ولم يجد منه ما يفيده.
سمعنا كثيرا عن حلول الترشيد والتوعية التي تتحدث عنها الحكومة وتطرحها كخيار لمواجهة حالة الغلاء المعيشي الذي نغص على الناس في الأشهر القلية السابقة، والآن ربما أصبحت الأسرة في حاجة أكبر لترى مدى نتائجه الإيجابية، فهي على كل حال تريد أن تتمسك بالقشة لكي تنقذ نفسها من حالة هيستريا الحاجة فهي تصارع من أجل لقمة عيش تسد جوعها وتشبع حاجتها بل أصبح أكبر هم لها الجري وراء لقمة العيش، فالعوائل الفقيرة باتت تخشى الإفصاح عن حالة الحاجة والفقر حتى لا تلام بالتقصير والاتهام بالاستهلاك وسوء استغلال المبالغ، فيكون الجواب الجاهز لها بأنكم لابدّ لكم أن ترشدوا في الإنفاق، بل وتتحمل مؤسسات المجتمع المدني جزءا من مسئولية برنامج الحكومة القائم على توعية هؤلاء بسبل الترشيد والصرف، هل لدى هذه العوائل ما يكفيها أصلا لكي تفكر بعملية الترشيد والتوعية؟ فكل ما تحصل عليه في نهاية الشهر يتم صرفها في بداية الشهر كالتزامات مالية ضرورية شئنا أم أبينا فالمصارف لا تعترف بواقع المشكلات المادية التي يعاني منها الفرد وكل ما عليها التعامل مع الزبائن كالمنشار «راكب ماكل نازل ماكل» وتعد المستفيد الأكبر من حالة الفقر إذا يضطر بعدم تأجيل اقتطاع القرض في بعض الشهور فيتكبد ذلك بدفع رسم للتأجيل إلى جانب تحويل الفوائد أضعاف مضاعفة في الأشهر الأخيرة من القرض، 1+1 هنا لا يساوي 2، البعض لا يطيق أن يعترف بأخطاء الحكومة وبتقصيرها تجاه هؤلاء الذين يعدون واقعا في مسئولية الحكومة وهي من يجب أن تتحمل مسئوليتهم فمواد الدستور لا تفتأ أن تذكرنا بمسئوليات الدولة على مواطنيها من خلال توفير الحياة الكريمة لهم، فنحن على أي حال جزء من المنظومة الخليجية وعيب كل العيب أن نصارع الفقر وقلة ذات اليد في دولة نفطية، ولسنا دولة فقيرة كبنجلاديش مثلا والتي على رغم ظروفها القاهرة تخطط من الآن القضاء على الفقر على رغم تفشي ظاهرة الفقر المدقع بين عوائلها وظروفها التي تختلف كل الاختلاف عن بحريننا سواء من خلال جهود شخصية متمثلة في مشروع «بنك جرامين» للبروفيسور محمد يونس أو غيرها من مساعٍ، نحن أن جاز لنا أن نقارن بين أوضاعنا يجب أن لا نذهب بعيدا يمكننا أن نقارن وضعنا بقطر على سبيل المثال أو السعودية أو نبتعد قليلا فنقول الكويت أو الإمارات نبالغ كثيرا عندما نربط واقع الحياة المعاشة ببنجلاديش، من أجل أن نصوّر للعالم بأن نعيش في حالة جيدة وبأننا ما زلنا نعيش في خير ورخاء، أتحدّى كل من يصدّق ذلك وينزل الميدان العملي ويرى بأم عينيه حالات الفقر المدقع وليراهن على تراه عينيه، صدّق عينك ولا تصدّق ما تسمعه أذنك فبعض ما تسمعه ليس صحيحا، ولكن العكس لا يمكن أن يكون صحيحا.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1705 - الإثنين 07 مايو 2007م الموافق 19 ربيع الثاني 1428هـ