أَمَا وقد انفضّ الملتئمون بشرم الشيخ من اجتماعهم الذي رُوّج له منذ أزيد من شهرين لحلحلة أزمات المنطقة وفي مقدمتها الأزمة العراقية فإن الجميع بات يتحدث عن «مفاجأة» المؤتمر وهي تحاشي وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي اللقاء مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس على رغم المحاولات التي بذلها العراقيون وأطراف أخرى لجمعهما، وعلى رغم تكرار رايس استعدادها لمثل هذا اللقاء لتسوية الكثير من الملفات العالقة بين البلدين.
وليس غريبا أن يتساوى (من حيث الأهمية وبنظر الكثيرين) لقاء متقي - رايس مع باقي النتائج الأخرى للمؤتمر، بل إن البعض بدأ في الترويج إلى أن أصل نجاح المؤتمر كان مرهونا بهذا اللقاء الذي لم يتم، وأن عدم حصوله قد أضاع وهج الاجتماع الذي عُقد على مستوى السفراء بين الجانبين (الأميركي والإيراني) كبديل عن اللقاء الوزاري... والأكثر من ذلك فإن الإيرانيين لم يكتفوا فقط بتحاشي اللقاء بكوندوليزا رايس خلال المؤتمر بل إنهم استثمروه لشن هجوم عنيف على سياسات الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة عموما وفي العراق خصوصا، وتشخيصهم لتلك السياسة على أنها محور (الإرهاب - الاحتلال) وهو في الحقيقة السبب الرئيس لجميع مشكلات العراق.
الإيرانيون ومن خلال هذا التكتيك الدبلوماسي يعلمون أنهم لا يريدون من اللقاء مع الأميركيين أن يكون مجتزأ أو لقاء كرنفاليا قد يُفقدهم أكثر مما يُكسبهم، كما حصل ما بين وزير الخارجية السوري وليد المعلّم ونظيرته الأميركية رايس على هامش المؤتمر عبر لقاء لم يستمر لأكثر من ثلاثين دقيقة كانت فيه الوزيرة الأميركية ناصحة ومؤكّدة أكثر ما هي مستمعة، وخصوصا أن الإيرانيين وهم يتابعون المشهد الأميركي الداخلي يرون أن الساسة الأميركيين سواء كانوا ديمقراطيين أم جمهوريين باتوا في حمى التنافس على كسب الرأي العام الأميركي منذ تقرير بيكر - هاملتون ومحاولة تنفيسه عن مجمل الإخفاقات التي مُنِيَ بها المحافظون الجُدد منذ العام 2001، وهم بالتالي (أي الأميركيين) يريدون عبر فتح قنوات اتصال مع قوى الممانعة في المنطقة التي تملك أجزاء مهمّة من الحل المشكلات المنطقة تحقيق ذلك التنفيس، فزيارة بيلوسي لدمشق وطلبها تأشيرة لزيارة طهران كله قد يأتي ضمن هذا السياق التنافسي والمناكفة الديمقراطية الجمهورية، وليس غريبا أن نتذكر ما صرّحت بيلوسي قبل زيارتها لدمشق بثلاثة أسابيع فقط في خطاب لها أمام التجمّع اللوبي اليهودي (ايباك) في العاصمة الأميركية (واشنطن)، بأن الكيان الصهيوني يجب أن يبقى محميا من قبل الولايات المتحدة الأميركية ويتوجّب الدفاع عنه أمام الإرهاب وأمام حزب الله الذي حمّلته حرب تموز الماضي ومتحدثة بلا خجل عن «الأسرى» الإسرائيليين الثلاثة (واحد في فلسطين وإثنان في لبنان)... وأيضا قرار قيادة الديموقراطيين في الكونغرس سحب نص من قانون الإنفاق العسكري كان سيفرض على الرئيس استشارة الكونغرس قبل أية مواجهة عسكرية مع إيران!. وبالتالي فإن الإيرانيين لا يريدون أن تكون تسويتهم قربانا لصفقات أميركية في الداخل، وربما يُأجّلون أي حديث عن تسوية مع الولايات المتحدة لحين تجرّد الظروف من أية إسقاطات مُكلفة... لذلك فإنهم (أي الإيرانيين) وخلال مؤتمر شرم الشيخ الأخير لم يكونوا أقل من خصم عنيد يتعامل بالند مع عدو قديم، بل إنهم وخلال أيام المؤتمر الثلاثة لم يُمارسوا فقط خطابا إعلاميا مضادا تجاه السياسة الأميركية في المنطقة بل إنهم وخلال التعاطي الرسمي والدبلوماسي قدّموا رؤيتهم المكتوبة لأكثر من قضية محورية في المنطقة تبيّن من خلالها مدى حجم التباين في الرؤى والمصالح بين الطرفين، ففي الملف العراقي حرص الإيرانيون على المطالبة بوضع برنامج محدد لانسحاب القوات الأميركية والبريطانية من العراق مع رفض أي انسحاب غير مبرمج لتلك القوات، درءا لحصول أي فراغ أمني قد يفرز توزيعا جديدا للنفوذ والقوة داخل الدولة العراقية الهشّة، كذلك رفض الإيرانيون تولي البعثيين لمنصب رئاسة الوزراء إن حصل وتمّ تغيير نوري المالكي ضمن صفقة تصالحية جديدة قد ترعاها الولايات المتحدة الأميركية في المستقبل القريب والتي ترحّب بها طهران من حيث الأصل كمُضِيفَة أو طرف تسوية فيه لكنها لا تعارض في الوقت نفسه إعادة النظر في قانون اجتثاث البعث وأيضا قبول ضباط الجيش العراقي السابق الغير متورطين بأي جرائم مُوثّقة، كذلك فقد أكّد الإيرانيون على إمكان إعادة النظر في الدستور العراقي عبر إجراء تعديلات على قانون الانتخاب المعمول به، بحيث يُمكَّن السُّنّة بنسبة 40 في المئة من مقاعد العاصمة بغداد في حين يُمنَح الشيعة نسبة 60 في المئة مع ضرورة الاتفاق على صيغة عادلة لتوزيع عائدات النفط العراقي بين المناطق والمحافظات العراقية وخصوصا مناطق وسط العراق ذات الغالبية السّنيّة، مع تعهدها بمساعدة الحكومة العراقية في السيطرة على الجماعات الشيعية المسلحة ودمجها في الأجهزة الرسمية. وفيما يتعلق بالملف اللبناني فقد كان خطابهم متماهيا مع مطالب حلفائهم في الدخل اللبناني فهي تطالب بانسحاب صهيوني من مزارع شبعا وتحرير الأسرى، وتأجيل البحث في سلاح حزب الله لحين البت في موضوع الاستراتيجية الدفاعية للبنان بناء على التطورات الإقليمية وتقدم عملية السلام في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن طهران قدمت رؤيتها للمنطقة ضمن سلّة واحدة هي في المحصّلة غير متوافقة مع السياسة الأميريكة، وإذا ما أضيف إليها الموضوع النووي الإيراني فإن المسألة قد تزيد تعقيدا إذا ما تمّ العمل بهذه الملفات بشكل متوازي، وبالتالي فإن نتيجة اللقاء الذي كان سيتم لن يكون أكثر من صورة ستتداولها وسائل الإعلام.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 1704 - الأحد 06 مايو 2007م الموافق 18 ربيع الثاني 1428هـ