عين الفخر، وغاية السرور والانشراح ورأس السعادة أن تكون بحرينيا مُرَحَّبا بك في أصقاع أرض العرب. فمن الأشقاء في العراق إلى الكويت، فمصر فالسعودية وإلى اليمن فلبنان فالمغرب العربي، أي على امتداد مبسوط في الأقاليم العربية كافة. ولذلك لا أتردد ألبتة حينما أُسأل عن جنسيتي وعن انتمائي القطري بالقول مفاخرا: «أنا بحريني». نعم، بحريني وكفى!
كنا حتى عهد قريب، حينما نُسأل عن جنسيتنا ونقدم إجابتنا، يكتفي السائل بالجواب الابتدائي، نعم بحريني، إلا أنه اليوم - في ظل هذه الانقسامات الطائفية - يتبع السائل إجابتنا بالسؤال عن مذاهبنا وعن طوائفنا: من أية طائفة أنت؟ أسني أنت أم شيعي؟ بل البعض يزيد بعد ذلك: إلى أية قبيلة تنتمي أنت؟ والبعض الآخر يسأل: إلى أي فخذ من هذه القبيلة تنتمي؟ وهكذا هو دوران عجلة الرؤوس الخاوية! ومادامت الرؤوس مسطحة من ومضات العلم والتحصيل العلمي، والذوق الراقي والحس الإنساني السامي، فإن الأسئلة تجدها محصورة في العصبيات، سواءٌ أكانت تلك العصبيات دينية أم طائفية أم قبلية أم عرقية أم إقليمية أم مناطقية.
غالبية من يسأل تلك الأسئلة الاستفهامية هم من غير المتعلمين أو أنصاف المتعلمين أو أصحاب العقول الملوثة والقلوب المريضة. إذ غالبية من حصدوا جزءا يسيرا من العلم ينفرون من تلك الأسئلة، حتى إن كانوا ينتمون إلى أسمى الأديان وينتسبون لأعرق القبائل وأنقى السلالات. لذلك أجهد مذ مدة على التعريف، بل وأكافح وأواجه عتاة المتعصبين من الطائفيين (السنة والشيعة) بأنّي بحريني وكفى! تماما كما عرّفه الميثاق والدستور وتشير إليه القوانين.
هذا التعريف للبحريني بأنه بحريني وكفى، نشبت فيه أظفار الفتنة، وأثخنته الجروح التي شهدها إقليم الخليج العربي والمنطقة العربية بأسرها. من تلك الحوادث التي كرّست أو خلخلت قاعدة التعريف بالبحريني بأنه بحريني وكفى، الثورة الإيرانية في العام 1979 وتبعاتها علينا في المجتمع الخليجي من انعكاسات طائفية، لا مراء لعاقل في أثرها على المضمار الوطني.
صحيح أنه كان هناك تهميش لغالبية من البشر المطحونين والذين امتزجت دماؤهم القبلية وانتماءاتهم المذهبية السنية والشيعية، إذ إن الفقر لا يحمل هوية مذهبية/ طائفية، إلا أن تأطير الدول والجماعات السياسية للمذاهب واستخدامها واجهة لها كرّسا هذا الانقسام الطائفي مجتمعيا.
أيضا، حوادث العراق بعد الاحتلال الأميركي كرّست هذا الانقسام وساهمت في خلخلة قاعدة التعريف للبحريني بأنه بحريني وكفى.
فاليوم، حينما نسافر إلى أصقاع العرب نجد ان السؤال يتبعه سؤال: ما مذهبك؟ وإلى أية طائفة تنتمي؟ هكذا دارت رحى الأيام لتطحن المفهوم البسيط وقاعدة التعريف الأولي بالبحريني بأنه بحريني وكفى!
مربط الفرس: هل نستطيع تخطي الانقسام الطائفي بما هو عليه الآن بالخطابات الشتائمية المتبادلة والتربص الطائفي الدائم؟ إلى ماذا سنصل؟ الأمم سبقتنا بقرون ليس لأنها أفضل منا أو تراثها أفضل من تراثنا، أو ديننا الإسلامي معوق لتطورنا وتقدمنا؛ بل لأنها تخلت عن العصبيات لصالح المساواة بين البشر، وتطبيقات الكفاءة في الاختيار وترسيخ جذور المواطنة إداريا في ميادين الحياة العامة، ومجتمعيا من خلال القوانين المتقدمة التي تحكم أطر التنظيمات السياسية والاجتماعية.
دوامة الفزع الأكبر من ذاك المنتمي إلى الطائفة الأخرى، أو هذا المنتسب للقبيلة الفلانية لن تنتهي؛ وسيصاب المجتمع بوهن على وهن. ولن نخرج من دوامة هذا «الفزع» إلا بسمو الدولة، بما هي حاكمة ومتحكمة في السلطة والإدارة، وسمو مؤسسات المجتمع، ونزول النخب الوطنية إلى الميدان لمواجهة الشرور العصبية. وفي هذا وحده فقط يكون باستطاعتنا تجاوز الوضع الطائفي والانقسام الراهن... إلا أنه مما يؤسف له أن لا تلك (الدولة) ولا هؤلاء (النخب الاجتماعية والسياسية) لديهم القدرة على مواجهة أخطائهم، التي لا يعترفون بها أصلا! عليكم الاعتراف بأخطائكم؛ كي يعود التعريف الطبيعي للبحريني بأنه بحريني وكفى!
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1704 - الأحد 06 مايو 2007م الموافق 18 ربيع الثاني 1428هـ