بمبادرة من جمعية سيدات الأعمال البحرينية وبمساندة برنامج المتحدثين برعاية مبادرة الشراكة الأميركية للشرق الأوسط كما أوضحت الجمعية، انعقدت أخيرا ندوة مشروع قانون أحكام الأسرة... الندوة ربما نجحت في تحريك مؤقت للمياه الراكدة بشأن ملف إصدار القانون الذي بدأته لجنة الأحوال الشخصية منذ الثمانينات ونتمنى أن تتوالى الفعاليات من قبل جميع الجهات المهتمة للمساهمة في حلحلة هذا الملف المجتمعي الحساس. لجنة الأحوال الشخصية كانت وحتى فترة ترحيل الملف إلى إدارة الاتحاد النسائي الحاضنة الشاملة للفكرة وأمها الروحية، وقامت على مر تاريخها وبحسب إمكاناتها بتنظيم الكثير من اللقاءات والفعاليات للدفع بإصدار القانون، التي كان آخرها رفع خطاب إلى جلالة الملك بتوقيع أكثر من سبعين جهة أهلية، بجهد وعناء بالغين من عضوات اللجنة، و تقدمت اللجنة فيما بعد بالخطاب وبالتواقيع إلى الديوان الملكي لطلب الالتقاء بجلالة الملك ولكنها لم تستلم ردا. والمتابع للآراء التي طرحت في الندوة المذكورة لا يلحظ رأيا جديدا يضاف على حصيلة الآراء المتداولة من الأنشطة السابقة، ولكنه يلحظ ربما تغير في بعض الوجوه على المنصة، ففكرة الحوار الوطني أو التوافق الوطني قد طرحت مرارا وتكرارا، وتم الاستشهاد بتجربة المملكة المغربية التي قدمت نموذجا مشرقا للجمع بين الثوابت الشرعية وحقوق المرأة والأسرة وإصلاح النظام القضائي ومساطره كما يقول الإخوة المغاربة.
ولعلنا نتساءل جميعا لماذا كل هذا التعطيل في إصدار قانون بات بديهيا في غالبية البلدان العربية والإسلامية، والإجابة بكل بساطة تقبع في نية ومخاوف الشركاء المعنيين في الالتقاء والحوار الحقيقي، على رغم دورهم الأساسي في تحريك الملف.
الحوارات كانت ومازالت غالبا على صفحات الجرائد، هذا يقرأ ويرد وذاك يقرأ ويصدر بيانا أو تصريحا أو موقفا. يدخل هذا بأجندة زمنية وبرامجية محددة، ثم يغادر متعبا كما حدث مع المجلس الأعلى للمرأة، أما رجال الدين الذين يعتبرون هذا ملفهم دون غيرهم، فيأخذون وقتهم في التعبير عن شروطهم والضمانات التي يريدونها حتى قبل قراءة مشروعات القوانين التي هي ابعد ما يكون عن الوضع المثالي وعن الشمولية. عند غالبية هؤلاء، الكلام يدور حول المبادئ والثوابت والضمانات من دون النظر إلى جوهر المواد المنقوصة، حتى أن بعض رجال الدين أعلنوا شروطا مسبقة حتى بالنسبة إلى المساهمة في الفعاليات الحوارية التي لا تمتلك قرارا.
وبعد أن أوضح كل فريق احترامه للمبادئ والثوابت مرارا وتكرارا وخصوصا الخصوصية المذهبية، ظهرت المخاوف الشرعية من جهة التقنين وإمكان تغيير النصوص والعبث بها مع تغيير ممثلي السلطة التشريعية. ولقد ردت جهات كثيرة على هذه المخاوف مسبقا، فمن غير الممكن إعطاء صلاحية التقنين لجهة أخرى لا تمتلك صلاحيات تشريعية لتنفرد بالتشريع خارج الإطار الدستوري، على رغم تحفظنا على التغييرات الواسعة التي أدخلت من طرف واحد على الدستور وعلى الصلاحيات المحدودة لمجلس النواب. وكما يطالب رجال الدين بضمانات لعدم المساس بالنصوص فمن يضمن عدم مساس هذه الجهة أو الهيئة التي ستنفرد بتعديل الأحكام وفق مرئياتها وتفضيلاتها الفقهية الخاصة على حساب حقوق المرأة والأسرة ، أليست كل المواقف نسبية.
ومما يتردد كثيرا التساؤل عن رضا البحرينية بقانون واحد أو قانونين، وبطريقة أخرى أنميز بين حقوق هذه البحرينية وتلك فتأخذ إحداهن نسبة تزيد أو تنقص عن الأخرى وفقا لتفسيرات مرجعيتها الفقهية غير المعصومة عن الخطأ حيث أننا جميعا بشر... وإذا كنا نتكلم عن محاربة الطائفية يوميا وعن حقوق المواطنة يوميا ونحترم الخصوصية المذهبية فلماذا الحديث عن قانونين، لماذا لا يصدر قانون واحد يكتب الأحكام المتمايزة في مجالات التمايز ويكتب الأحكام المتماثلة في مجالات التماثل بل التطابق. تلك المجالات المتطابقة التي تزيد نسبتها عن الثمانين في المئة وفق آراء المتخصصين وبشهادة بعض كبار رجال الدين أنفسهم. أما الخوف عن الاختراق أو العبث بالأحكام، فشعب البحرين المتدين هو الكفيل بالرد وغيرة العلماء هي أدوات الرقابة إذا شاءوا، فمتى ما شاهدوا انحرافا فلا شك أنهم لن يعدموا الوسائل للاحتجاج والتصحيح، هذا بافتراض الأسوأ. وكما قلنا التوافق الوطني والمجتمعي هو الأساس لإصدار هذا القانون، فلا يريد أحدا أطفالا غير شرعيين لأنه أجبر على طريقة ما في توثيق العقود، كما روج لدى عامة الناس، ولا ينظر أحدا للإجهاض دون ضوابط ولا لتمرد البنات على أولياء الأمور، إنها ببساطة قضية إحقاق للحقوق والمحافظة على كرامة المرأة والأسرة. وإصلاح النظام القضائي ومؤسساته وعملياته التي أصبحت محلا للتندر العام، فمتى نتوافق كشركاء؟.
إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"العدد 1704 - الأحد 06 مايو 2007م الموافق 18 ربيع الثاني 1428هـ