العدد 1704 - الأحد 06 مايو 2007م الموافق 18 ربيع الثاني 1428هـ

ساركوزي... جمرة أميركية خبيثة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أسوأ خبر نسمعه اليوم هو فوزنيكولاي ساركوزي بانتخابات الرئاسة الفرنسية. فهذا المترشح/ الرئيس هو نسخة فرانكفونية عن تيار «المحافظين الجدد» الأميركي الذي زعزع استقرار العالم بسبب سياسته الهجومية التقويضية ضد العالم العربي - الإسلامي.

ساركوزي جمرة أميركية خبيثة وهي مركبة من مادة (بودرة) خفيفة تطير مع الهواء وتنساب معه وتدخل الثقوب وتقتل الإنسان بمجرد استنشاقها. هذا النوع من الرؤساء ليس جديدا، فهو يشبه تلك الوجوه المكفهرة التي استولت على إدارة واشنطن بتزوير انتخابات العام 2000 لتقوم لاحقا نيابة عن مؤسسات التصنيع الحربي وأجهزة الأمن وشركات الطاقة بقيادة الحروب التدميرية في أفغانستان والعراق ولبنان.

ساركوزي هو صنيعة الأجهزة الأمنية ولقي الدعم بحكم موقعه في وزارة الداخلية من هيئات التصنيع العسكرية التي وجدت فيه الطرف الصالح القادر على إحداث تغيير في التركيبة الاقتصادية الفرنسية وتوازناتها التقليدية. وبسبب هذا الدعم الأمني - العسكري انفتحت أبواب الحلف الأطلسي (الناتو) أمامه. ومن أبواب الحلف طار قبل سنة إلى واشنطن ليأخذ براءة ذمة من الأجهزة الحاكمة هناك؛ ليعود بعدها إلى باريس قوة سياسية طامحة تلقى الدعم الدولي من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا.

مهما تكن الاعتبارات المحلية والأوروبية والأميركية التي دفعت ساركوزي إلى احتلال قصر الاليزية فإن فرنسا ستشهد سلسلة متغيرات سيكون لها ردود فعلها الدولية والقارية و»الشرق الأوسطية».

منافسته المترشحة الاشتراكية سيغولين روايال اضطرت قبل 48 ساعة من فتح صناديق الاقتراع أن تخرج عن صمتها البروتوكولي وتبوح للشعب الفرنسي ما يجب أن يعرفه عن ساركوزي قبل ارتكاب الخطأ. فالمنافسة الاشتراكية حذرت الرأي العام من كارثة وصعوبات وحالات عنف وغضب وتشنجات اجتماعية وعنصرية وغيرها من سلبيات ستواجه فرنسا وأوروبا في السنوات الخمس المقبلة.

خروج روايال على تقاليد التنافس حاول ساركوزي تفسيره بأنه ناتج عن حال غضب عصف بالاشتراكية بعد أن توافقت الاستطلاعات على احتمال فوزه. إلا أن الصحيح في الموضوع أن روايال حاولت كشف بعض عناصر انحطاط تحتويها مادة «الجمرة الخبيثة». وما تجرأت المنافسة على قوله يعتبر رأس جبل الجليد ؛لان قاعدته ستحدث الكثير من الإرباكات والهزات السياسية على مختلف المستويات الداخلية والقارية والدولية و»الشرق الأوسطية». وفي المجموع العام يرجح أن نشهد في السنوات المقبلة فرنسا أخرى غير تلك التي ظهرت حديثا على الشاشات العالمية.

ساركوزي الذي يوصف بأنه مضطرب الشخصية وعصبي المزاج ومتسرع في استخدام الألفاظ البذيئة ضد الناس والمهاجرين والعرب والمسلمين يرجح ألا يتغير بعد دخوله الأليزيه. فهو يحمل معه مشروع برنامج أميركي التصنيع وينسجم كثيرا مع منهج «المحافظين الجدد» في الولايات المتحدة. وهذا يعني أن فرنسا ستنتقل رويدا وبالتدريج وخلال فترة لن تزيد عن مئة يوم من موقع التوازي أو المناكفة أو المشاطرة مع إدارة واشنطن إلى حليف قوي وتابع للسياسة الأميركية كما هو حال بلير في بريطانيا وميركل في ألمانيا.

الانتقال من ضفة إلى أخرى يرجح أن نشهد ملامحه بعد أقل أو أكثر من مئة يوم سيؤشر على تحولات دولية تعيد تفكيك وتركيب «التحالف الرباعي» المزدوج الذي عرفه العالم في العام 2002. آنذاك انقسم العالم إلى «رباعية أولى» و «رباعية ثانية». الأولى تشكلت من أميركا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا مدعومة من اليابان واستراليا. والثانية تشكلت من فرنسا وألمانيا وروسيا والصين. وتحت سقف الاستقطاب الدولي المذكور حصلت التجاذبات السياسية بشأن غزو العراق في العام 2003.

بعد الغزو أعيد تشكيل الخريطة الدولية بسبب الانتخابات. ففاز بوش بولاية ثانية بينما غادرت إسبانيا التحالف الأول وأعقبتها إيطاليا. ثم جرت انتخابات ألمانيا فخرج شرودر وجاءت ميركل لتقودها خارج دائرة التحالف الثاني. الآن أصبحت الخريطة الدولية تتشكل من «رباعية أولى» و»رباعية ثانية» تختلف عن الاستقطابات السابقة. فالعالم أعيد اقتسامه بعد الانتخابات الفرنسية لتصبح صورته وفق الشكل الآتي: تحالف رباعي يضم أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا مدعوما من اليابان واستراليا. وتحالف مضاد يضم روسيا والصين وإسبانيا وإيطاليا. وفي المجموع العام يمكن توقع أن تكون أرجحية موازين القوى للتحالف الأول.

معالم جديدة

هذا المتغير لن يمر مرور الكرام. فواشنطن الآن تعيش حالات ضعف وضياع وتوتر بفعل الضربات الداخلية التي يوجهها الحزب الديمقراطي المنافس وهي بأمس الحاجة لرئيس فرنسي على مثال ساركوزي لتصحيح وضعها وتحسينه في إطار تطوير العلاقة مع باريس ونقلها من التجاذب إلى التجانس. ولندن أيضا تترقب عودة فرنسا إلى معسكرها ؛لأن حزب العمال بقيادة بلير ينتظر الحدث حتى يعطيه صدقية لسياسة لم تعد تلقى الترحيب من الشارع البريطاني. وفوز ساركوزي يشكل قوة دفع ويرفد سلوك بلير بذاك الزخم المطلوب لإعادة ترجيح كفته في التوازن الداخلي. برلين أيضا ليست بعيدة عن هذه المناخات. فالمستشارة الألمانية التي أخذت شعبيتها تتراجع تحتاج إلى فرنسا لتحسين شروط مواقعها الأوروبية والتفاوض من مركز الأقوى في تعاملها مع إسبانيا وإيطاليا وروسيا.

كل هذه المتغيرات الدولية ستنعكس في أوزانها وأثقالها على «الشرق الأوسط». فالرئيس الفرنسي الجديد يؤيّد «إسرائيل» ويكره العرب والمسلمين ولا يتردد في اتخاذ قرارات ترضي تل أبيب سواء على مستوى الجانب الفلسطيني أو على مستوى الجانب اللبناني. وهذا الاحتمال يمكن اكتشافه من خلال متابعة سلوك ساركوزي في ملفات «الشرق الأوسط» الساخنة والممتدة من طهران إلى دارفور في السودان. إلا أن المقياس الصغير الذي يعطي فكرة عن التحولات الكبيرة يمكن رصده من خلال التعامل الفرنسي اليومي مع الموضوع اللبناني.

لبنان شكل خلال السنوات العشر الأخيرة ذاك الهاجس اليومي الذي يقلق الرئيس الفرنسي السابق. شيراك كان يضع لبنان على جدول أعماله يوميا معتبرا إياه نقطة من ملفات عشرة أساسية. فهو شكل بالنسبة إليه ولأسباب تقليدية وشخصية كثيرة ذاك الهم الفرنسي الطامح لصنع «نموذج» جميل وخاص يرد على تلك النماذج البشعة التي ارتكبتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق والصومال وغيرها.

فرنسا أرادت أن تصنع من لبنان «النموذج» البديل والمضاد فتلقت ضربة أولى باغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري ثم وجهت إليها ضربة ثانية بتحطيم لبنان خلال العدوان الأميركي - الصهيوني في الصيف الماضي. وعلى رغم تلك الصفعات حاول شيراك قدر الإمكان انقاذ «النموذج» من الانهيار والضياع من خلال التركيز على ضرورة إنشاء «محكمة ذات طابع دولي» لمعرفة الفاعلين أو من خلال الإسراع في الدعوة إلى مؤتمر «بارس 3» لدعم لبنان ومساعدته على إعادة إعمار ما دمرّته الحرب.

هذه الهواجس الشيراكية ستصبح في المرتبة الثانية. فساركوزي يميل إلى أميركا و»إسرائيل» وبالتالي سيضع الملف اللبناني خارج النقاط العشر الأولى. كذلك لن يتردد في تقويض «النموذج» إذا كان هذا الفعل السلبي يرضي تل أبيب ويرد على حاجات إقليمية تشبه ذاك السيناريو الذي تم ترتيبه دوليا في العام 1976.

مراقبة التحولات الفرنسية بشأن الملف اللبناني وامتداداته المحلية والإقليمية تشكل زاوية مهمة يمكن الرؤية من خلالها لكشف الكثير من الزوايا الأخرى المتصلة بالعراق وإيران والسودان. وهذا المتغير لن يحصل بسرعة ولكنه لن يتجاوز الشهور الثلاثة الأولى من حكم ساركوزي.

الجمرة الأميركية الخبيثة دخلت الأليزية، وهذا هو الخبر الأسوأ اليوم. أما غدا وبعد مئة يوم ستشهد المنطقة سياسة فرنسية جديدة سترتسم معالم خطوتها الأولى في الساحة اللبنانية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1704 - الأحد 06 مايو 2007م الموافق 18 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً