العدد 1703 - السبت 05 مايو 2007م الموافق 17 ربيع الثاني 1428هـ

الإمارات حققت أروع النماذج واليمن تجنب مرارة التجربة المصرية السورية

تجارب الوحدة العربية بين النجاح والفشل

عوامل ومقومات الوحدة بين الأقطار العربية متوافرة وكثيرة وعلى رأسها، اللغة الواحدة، الثقافة الواحدة، التاريخ المشترك، الدين الواحد لغالبية السكان وتعايش راقٍ مع الديانات الأخرى وعلى رأسها المسيحية. أما الصعوبات التي تواجه عملية الوحدة فتنحصر في: تعزيز مبدأ القطرية سواء لدى الشعوب أو لدى الحكام، التباين الواضح في الأيديولوجيات الحاكمة وما يترتب عليه من تباين سياسي واقتصادي. ومن الأسباب الرئيسية لفشل تجارب الوحدة التي تحققت بين بعض الأقطار العربية في السابق كونها أتت بأسلوب فوقي ولم تجد السند والدعم الشعبيين اللازمين لاستمرارها ومن نماذج هذه التجارب الآتي:

الجمهورية العربية المتحدة

الجمهورية العربية المتحدة هو الاسم الرسمي للوحدة المصرية- السورية (1958-1961) التي أعلنت في 22 فبراير/ شباط العام 1958 بتوقيع ميثاق الجمهورية المتحدة من قبل الرئيسين السوري شكري القوتلي والمصري جمال عبدالناصر.

اختير عبدالناصر رئيسا والقاهرة عاصمة للجمهورية الجديدة. وفي العام 1960 تم توحيد برلماني البلدين في مجلس الأمة بالقاهرة وألغيت الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة في القاهرة أيضا.

أنهيت الوحدة بانقلاب عسكري في دمشق بتاريخ 28 سبتمبر/ أيلول 1961، وأعلنت سورية انفصالها عن مصر لتسمى «الجمهورية العربية السورية»، بينما احتفظت مصر باسم «الجمهورية العربية المتحدة» حتى العام 1970.

كان من أهم أسباب الانفصال قيام عبدالناصر بتأميم البنوك الخاصة والمعامل والشركات الصناعية الكبرى والتي كانت مزدهرة من غزل ونسيج وأسمنت، إضافة إلى قدوم الكثير من العمال المصريين إلى مدن الإقليم الشمالي، واختلال توازن قوى العمل، كما تسببت سياسات استبدادية من قبل الحكومة في التقليم الجنوبي بتوليد انزعاج لدى السوريين الذين كانوا يتباهون بالتعددية السياسية التي اشترط عبدالناصر إلغائها لقبول الوحدة.

من ناحية أخرى، ادعت قوى الانفصال أن المصريين عمدوا إلى تسريح أخيار الضباط السوريين من الجيش ليحكموا السيطرة على البلاد وعزل القوى السورية عن المناصب الحساسة. كما كان لجهاز المخابرات دور مؤثر في أذكاء نار الفرقة بين المواطنين.

كما يذكر البعض أن المرافق العامة (وخصوصا المستشفيات) في سورية باتت مكتظة بالمصريين ما سبب ضغطا على السوريين، لم يكونوا يتوقعونه.

يضاف إلى ذلك أن المنطقة العربية كانت ترزح تحت مؤامرات عدة من مختلف الأطراف، جعلت الوحدة على كف عفريت، لم يكن من شيء ليوقف تداعيها، بل ربما لم يوجد في الجوار العربي سلطة ترغب باستمرارها.

يرى البعض أن الانفصال كان سببا في نكسة العام 1967، لكن آخرين يرون بأن الانفصال هو الذي حمى سورية من خسارة أكبر إبان تلك الحرب، فربما كان سوء التنظيم الإداري الذي غلب على مرحة الوحدة أن يتسبب في استغلال أكبر من قبل «إسرائيل» للظروف السيئة واحتلال مزيد من المساحات على الجبهتين.

من جانب آخر، كان يمكن للوحدة أن تغيير الظروف السياسية بشكل كبير فيما لو تحمل السوريون أعباءها لفترة من الزمن، ودعمتها الظروف السياسية آنذاك حتى تستقر الموازين بين جناحي الوحدة.

لقد ساهمت هذه التجربة الفاشلة في خفوت الأصوات الداعية بجدية إلى ذلك النوع من الوحدة الاندماجية العربية.

الوحدة اليمنية

الوحدة اليمنية (22 مايو/ أيار 1990)، ويُشار إليها عادة بأنها كانت إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، فهي وحدة اندماجية بين شطري اليمن الذين ظلا منفصلين حتى تاريخ الوحدة في جمهوريتين مختلفتين في أنظمتهما الإدارية هما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية.

بدأ تنفيذ مشروع الوحدة الاندماجية الفورية بمفاجأة في نوفمبر/ تشرين الثاني 1989، عندما وصل وفد من صنعاء برئاسة الرئيس علي عبدالله صالح للمشاركة في احتفالات ذكرى جلاء الاستعمار البريطاني عن الجنوب اليمني (1967). لكن الزيارة لم تنتهِ إلا وقد تم التوقيع على اتفاق يقضي بإحالة مشروع دستور يَمَن الوحدة الجديد على برلمان كل شطر، تمهيدا لإجراء استفتاء شعبي عليه، وهو ما كان يعني قيام وحدة اندماجية فورية لم يكن أحد يتوقعها.

والأشد من ذلك، أن وفد صنعاء تلقى تعليمات بالاستعداد لمغادرة عدن فورا بعد أن أخفق الجانبان في التوصل إلى رؤية واحدة بشأن أي من المشاريع المطروحة التي كانت تهدف إلى نزع فتيل التوتر المستمر بين اليمنيين، الذي يؤدي إلى تكرار المواجهات العسكرية الحدودية التي أنتجت حربين أهليتين العامين: 1972 و1979.

ولا أحد حتى الآن يعرف تفاصيل حديث انفرادي جرى بين زعيمي شطري اليمن آنذاك: صالح وعلي سالم البيض اللذان كانا يستقلان سيارة في أحد شوارع عدن؛ وانتهى باتفاقهما على تحقيق وحدة اندماجية أدهشت أقرب المقربين إليهما؛ وقلبت الشارع اليمني رأسا على عقب، وغيرت تحالفات قائمة وأبرزت أخرى؛ كان الجميع يستبعد مجرد التفكير بها، ناهيكم عن أن يروها مجسدة أمامهم في الواقع.

لاشك أن ولادة الوحدة اليمنية كانت تحمل مخاوف وهواجس الفشل، وكانت النتيجة المؤلمة للوحدة المصرية - السورية تلقي بظلالها على الأحداث مع اختلاف الظروف هنا وهناك؛ فلم يكن بين اليمنين (الشمالي والجنوبي) ما بين مصر وسورية من تباعد جغرافي، كما أن الأصول القبلية والعشائرية والانتماء إلى الجنسية الواحدة كانت من عوامل الوحدة.

ولكن على رغم ذلك، أحاطت بالوحدة اليمنية - منذ بدايتها - أخطار حقيقية؛ كان أهمها وجود سلطتين فعليتين في رداء واحد؛ وكل منهما تملك مقومات الدولة في يديها. وظل هذا الوضع هو الخطر الحقيقي الذي يهدد الوحدة حتى حَسَم الصراع العسكري التنافس بين السلطتين؛ فخرج الاشتراكيون من قمة السلطة بعد هزيمتهم في الحرب الأهلية (1994) التي مهّدوا لها؛ ولكن النتائج جاءت تعكس ما توقعوه.

وفي بداية عهد الوحدة واجهت اليمن الجديد تحديا خطيرا تمثل في تداعيات الاحتلال العراقي للكويت، واعتبر المعسكر المعادي للعراق أن الموقف اليمني الرسمي كان منحازا للعراق، ولاسيما في مجلس الأمن؛ حيث كانت اليمن عضوا فيه، وأدى ذلك إلى عزلة شديدة أحاطت باليمن الجديد، وزاد من معاناته عودة مئات الآلاف من اليمنيين من السعودية والكويت بعد أن خسروا أعمالهم؛ وأسهم كل ذلك في ظهور أزمة اقتصادية حادة لم تستطع السلطتان المتنافستان حلّها.

كما شهد اليمن في العام الأول للوحدة صراعا سياسيّا وفكريّا بين التيار الإسلامي وأنصاره، وبين الحزب الاشتراكي وأنصاره، على جملة من القوانين والتوجهات الدستورية التي كانت في الحقيقية مواجهة بين الاتجاه الإسلامي والاتجاه العلماني الليبرالي. وعلى الرغم من أن المواجهة انتهت رسميّا لمصلحة العلمانيين الليبراليين بحكم سلطة الحزب الاشتراكي، فإن الإسلاميين كسبوا نفوذا كبيرا في الشارع مكَّنهم فيما بعد من المشاركة في السلطة، وتحقيق إنجاز هام تمثّل في تعديل الدستور وفق تصوراتهم، ولاسيما فيما يختص باعتماد الشريعة مصدرا وحيدا للتشريع.

وفي الجانب الإيجابي يبرز نجاح اليمن في حل مشكلاتها الحدودية مع جاراتها: سلطنة عمان والسعودية، ومع إريتريا التي كادت المشكلات معها تؤدي إلى مواجهة عسكرية بعد احتلال إريتريا لجزيرة حنيش اليمنية، التي تمّت استعادتها عبر التحكيم الدولي. وتبدو العلاقات الخارجية لليمن جيدة مع جميع الدول في النطاق الإقليمي والدولي، بعد أن تجاوز الجميع مشاكل أزمة الخليج الثانية والحدود الدولية البرية والبحرية. لا يمكن القول إن اليمن يعاني من تشققات جهوية ناتجة عن سنوات التشطير، لكن هناك ما يمكن وصفه بأنه محاولات للاستقواء بمثل هذه المفاهيم في حلبة الصراع السياسي الداخلي، فهناك مثلا جناح في الحزب الاشتراكي اليمني - مع مجموعات سياسية صغيرة - يرفع شعار «إصلاح الوحدة»، وإزالة المظالم السياسية والاقتصادية التي يزعمون أنها لحقت بالمناطق الجنوبية بعد حرب الانفصال - والعودة إلى صيغة ما قبل الحرب؛ اذ كان الاشتراكيون يتقاسمون السلطة في اليمن كله، باعتبار ذلك هو صورة التوازن المطلوب بين الشمال والجنوب. وهناك أيضا مجموعات المعارضة في الخارج التي تعتبر نفسها معنية بالجنوب وبإصلاح الوحدة، وإن كانت حظوظها بدأت تتراجع بقوة مع تحسن العلاقات الخارجية لليمن. لكن كل هذا لم يَعُد يشكل خطرا محسوسا - سواء أكان في الداخل أو الخارج - وإن كان الأسلوب الذي سيُعالج به البلد مشاكله الداخلية هو الذي سيرسم مستقبل هذا الاتجاه. فكلما كان العلاج إيجابيّا تلاشت الروح المتمردة وتناقصت الانتقادات.

وأخيرا، فإن مرور سنينا طويلة على توحيد بلدين عربيّين هو تميزٌ في عصر الانكفاء العربي على الذات، وترسيخ خريطة التقسيم، وتكريس الحدود المصطنعة بين الشعوب العربية والإسلامية.

دولة الإمارات العربية المتحدة

كان تشكل دولة الأمارات العربية المتحدة كوحدة عربية ثانية في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 1971 بعد انسحاب بريطانيا من إمارات الخليج العربية، عبر سبع أمارات هي أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة والفجيرة.

لا جدال أنّ الرئيس الراحل لدولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هو الزعيم العربي الأبرز الذي نجح خلال القرن الماضي، في بناء اتحاد بين مجموعة من الإمارات المتجاورة، في دولة واحدة، فيما أخفقت العديد من المحاولات العربية الإقليمية لبناء أي شكل من أشكال الوحدة أو حتى التنسيق الاستراتيجي.

بعد أن تمكنت أبو ظبي من تعزيز كيانها بعد النمو المتزايد في صادراتها النفطية وارتفاع أسعار النفط حينها، بدأ الشيخ زايد يوجه اهتمامه إلى تدعيم عِلاقات شراكة وتكامل قوية مع الإماراتِ الأخرى، وخصوصا أنّ «الاتحاد هو طريقُ السلطة، وهو الطّريق إِلى القوةِ، والطّريق إِلى الخير» وفق تعبيره في أحد الاحتفالات.

وكَانتْ زِيادَة المساهمات لتمويل صندوق تطوير «الإمارات المتصالحة»، كما كانت تعرف آنذاك، والذي أنشأته بريطانيا قبل عدة سنوات من الخطوات الأولى التي قام بها الشيخ زايد نحو الاتحاد، وسرعان ما أصبحتْ أبو ظبي المتبرع الأكبر لهذا الصندوق.

وفي مطلع العام 1968، عندما أعلنت بريطانيا نيتها بالانسحاب من الخليج العربي في نهاية 1971، تَحرك الشيخ زايد وبسرعة ليوطد العلاقات مع الإماراتِ الأخرى، بما يفضي إلى الوحدة.

وبالتعاون سوية مع حاكم دبي السابق، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، والذي أصبحَ فيما بعد نائب الرئيس ورئيس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة، أخذَ الشيخ زايد على عاتقه النداء باتحاد يَتضمّنُ إمارات أبوظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القيوين، رأس الخيمة، والفجيرة، بالإضافة إلى قطر والبحرين.

وعندما أخفقت الآمال الأولى باتحاد يشمل تسع إمارات، قاد الشيخ زايد حكام الإمارات السبع الموافقين على تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة موقعين اتفاقية ظهرت رسميا على الساحة الدّوليةِ في الثاني من ديسمبر 1971.

على امتداد ثلاثة عقود منذ الإعلان عن تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن هذا الاتحاد لم يصمد فحسب في وجه التحديات الإقليمية والعالمية، وإنما استطاع تحقيق نمو شامل، وصفه متخصصون بأنه عملية انقلاب كاملة. وقد أنفقت الإمارات بين العامين 1975 و1990 نحو 151 مليار درهم على تطوير البنية التحتية وعلى رأسها شبكة الطرق الحديثة التي تحقق التواصل الداخلي في البلاد، وعلى مشروعات الخدمة العامة والتطوير الصناعي والزراعي.

من عوامل نجاح تجربة الوحدة في الإمارات أنها قامت على نظام حكم مستمد من طبيعة حياة العشائر «شيوخ وحكام» التي كانت سائدة فعلا بين قبائل الأمارات، كما أن النجاح الاقتصادي الباهر الذي حققته تلك الدولة الفتية ساهم كثيرا في تعزيز أواصر الرحم خاصة أن الشيخ زايد أنفق بسخاء لترقية المواطن الإماراتي ووفر له ولبلاده كل سبل التقدم والرفاهية.

العدد 1703 - السبت 05 مايو 2007م الموافق 17 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً