نلفت النظر إلى أن الغرض هنا ليس الدخول في متاهات أزمة دارفور أو إثبات من هي الجهة أو الجهات المحلية التي دأبت على تأجيج الصراع فيها بقدر ما نحاول أن نرى ذلك الرابط بين المصالح الكبرى لدول عظمى مثل الولايات المتحدة ومواد استراتيجية مثل النفط شاء القدر أن يكتشف في أراضي دولة ضعيفة نامية مثل السودان.
اكتشف النفط في السودان بعد خمس سنوات من بدء التنقيب، حين أعلنت شيفرون عن اكتشاف النفط في يوليو/ تموز العام 1979. ومن الطرائف التي تتناقلها الألسن تعبيرا عن وقع المفاجأة، أن الرئيس السابق جعفر النميري أدخل قلما في زجاجة النفط الخام وكتب عليها: «بترول السودان».
لكن تلك الفرحة عاجلها الإحباط، فقبل أن تبدأ فوائد النفط اندلعت حرائقه التي أشعل فتيلها الحرب الأهلية الثانية في الجنوب العام 1983، وكان النفط هذه المرة في قلب المعركة.
وحتى العام 2006 وبعد مرور عام على السلام في جنوب السودان والآمال الكبيرة بفتح الاحتياطيات النفطية الواسعة التي بقيت مهجورة لعقدين من الزمان بسبب الحرب الأهلية لاتزال شركات النفط الكبرى الجائعة لموارد الطاقة الجديدة مترددة في طرق أبواب هذه الثروة.
ولإثارة رغبة المستثمرين وتشجيعهم تم اخطارهم في آخر مؤتمر في نيروبي ان ما بين 3 إلى 12 مليار برميل من النفط ترقد تحت المستنقعات في جنوب السودان بانتظار المستثمرين. وعلى رغم نشاط شركات النفط الصينية والهندية والماليزية لاتزال شركات النفط الغربية الكبرى تخشى مخاطر الاستثمار في السودان. وينتج السودان حاليا نحو 000‚500 برميل من الخام يوميا ويتوقع ارتفاع الطاقة الانتاجية الحالية بنحو 000‚150 برميل يوميا خلال هذا العام.
ويعتبر النزاع القائم بين شركة النيل الأبيض البريطانية لاستخراج النفط وشركة توتال الفرنسية خير مثال على عدم وضوح الرؤية الذي يحيط بالنفط السوداني إذ قامت حكومة الجنوب فور توقيع اتفاق السلام بمنح شركة النيل الأبيض حقوق التنقيب في مربع (باء) ولكن هذا المربع الذي تبلغ مساحته نحو 000‚67 كيلومتر مربع يدخل في حدود مربع آخر منحته حكومة الخرطوم لشركة توتال الفرنسية بموجب اتفاق وقع في العام 1980 وتم تجديده العام الماضي. ومما يزيد الأمور تعقيدا ان المفوضية القومية للنفط التي أنشئت حديثا بموجب اتفاق السلام لمراقبة قضية الطاقة واجازة عقود النفط لا يزال موقفها غير واضح تجاه العقودات الموجودة حاليا مثل عقد شركة توتال إضافة إلى ان قانون الاحتياطيات النفطية لا يزال يعطي الخرطوم الحق الحصري لمنح التراخيص والامتيازات النفطية.
الكثير من الدراسات تربط بين النفط والاهتمام الأميركي بالسودان عموما ودارفور خصوصا، ولعل مانشره موقع المعلومات السويسرية (http://www.swissinfo.org/ara/front/detail.html?siteSect=105&sid=7770100&cKey=1178190354000) على لسان نائب مدير مركز الوساطة وحل الصراعات، التابع للمعهد الأميركي للسلام في واشنطن ديفيد سموك، خير الأدلة على ذلك. إذ يقول سموك» إن خبراء أميركيين آخرين يشمّـون رائحة النفط في الاهتمام الأميركي بدارفور، خصوصا أن التنافس على أشُـدِّه على المصالح النفطية في غرب إفريقيا بين الهند والصين، فيما تحُـول المشكلة الإنسانية المتفاقمة في دارفور، من دون تمكُّـن شركة شيفرون الأميركية من استعادة عقودها للتنقيب عن النفط، الذي اكتشفته في غرب السودان وجنوبه منذ أكثر من ربع قرن، في وقت أصبح من الضروري للولايات المتحدة البحث عن بديل آخر لنفط الشرق الأوسط، وتشكل منطقة غرب إفريقيا الجائزة الكبرى في هذا المجال».
ويضيف مستطردا «تقول دراسة حديثة للمجلس الأميركي للعلاقات الخارجية، إن الاهتمام الأميركي بدارفور يتخطّـى مسألة الاعتبارات الإنسانية، إذ تُـدرك الولايات المتحدة، كما يقول التقرير، إن إفريقيا تشكل واحدة من أسرع المناطق نموا في إنتاج النفط، بحيث أنه بحلول العام 2012 سيكون بوسع الولايات المتحدة أن تستورد من إفريقيا ما يُـعادل الكمية نفسها من النفط التي تستوردها حاليا من الشرق الأوسط، ولذلك تشكِّـل دارفور، بموقعها المحاذي لبحيرة نفط تمتد من إقليم بحر الغزال مرورا بتشاد والنيجر وموريتانيا ومالي والكاميرون، صمَّـام أمان بالغ الأهمية لتدفق النفط المستخرج من هذه المنطقة، اذ تمثل دارفور المدخل الرئيسي لغرب إفريقيا، وتلاصق دارفور حدودا مفتوحة على مناطق النفوذ الفرنسي في تشاد وإفريقيا الوسطى». هذا ما كان من أمر نفط دارفور.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1703 - السبت 05 مايو 2007م الموافق 17 ربيع الثاني 1428هـ