التمييز أحد أشكال الظلم، الذي لا يرتضيه عقلٌ ولا شرعٌ ولا دينٌ ولا مذهبٌ ولا ضمير. والمفترض ألاّ يرتضيه وزيرٌ ولا نائبٌ ولا مسئول.
التمييز ظلم، والظلم ظلمات في الدنيا والآخرة، وهو كابوسٌ ثقيل الوطأة في بلدنا، لا ينفيه إلاّ مكابرٌ أو متملقٌ أو كذّاب. وإذا أردنا الخير لهذا البلد ومستقبله وأجياله، فلنضع يدنا بيد بعض، لنخلّص هذا البلد الآمن من هذا الشر المستطير.
التمييز واقع وتثبته الأرقام، ويشعر بوطأته المواطن في كل مكان، وإذا لم نتدارك هذه الجرثومة فسوف تسمّم البدن، ولات حين مناص.
التمييز واقع يا سعادة الوزير، وهو ينذر بتقويض أفضل ما أنجز منذ بداية الاستقلال، من حيث فتح المجال لذوي الكفاءات التي تملأ مستشفياتنا ووزاراتنا ومؤسساتنا، ما أتاح لأبناء العوائل غير المعروفة للترقي وتولي المناصب، وأحدث حراكا اجتماعيا، وخلق طبقة وسطى متنورة، تخدم البلد في كل قطاعات الإنتاج. والتمييز الممارس اليوم يقوّض كل ذلك، ويردنا إلى معايير ما قبل الدولة الحديثة، من حيث إعلاء شأن القبيلة والجنس والعنصر والطائفة، بحيث لن تعود ترى غير ألقاب معينة في وزاراتنا بعد خمس سنوات.
لماذا ابتهج العالم كله قبل خمسة أيام فقط، لفوز أوباما يا سعادة الوزير؟ فالرجل ليس وسيما مثل كلينتون، وشكله ليس جميلا مثل الممثل جورج كلوني أو توم كروز. وهو لم يأتِ من عائلة غنية مثل بوش، وزوجته ليست في أناقة وجمال سارة بالين، ولكنه وصل إلى البيت الأبيض بكفاءته كمحامٍ ناجح. ولو كان هناك نظامٌ تعليمي مفروز طائفيا أو عرقيا، ترعاه بعض القوى الدينية المتعصبة المتغلغلة في صلب النظام، لما خرجت أميركا بكل هذه الكفاءات، ولما استقطبت أفضل العقول، ولما حظيت 37 من جامعاتها بالصدارة في قائمة أفضل مئة جامعة بالعالم.
أنت تعلم أن العالم أصبح أكثر كراهية للولايات المتحدة مع نهاية عهد بوش بسبب سياسة القبضة الأمنية والترهيب والتهديد، حتى مع حلفائه الأوروبيين وأصدقائه المخلصين في منطقتنا العربية والإسلامية. وعندما فاز أوباما كانوا أول المهنئين له، وعندما يخرج بوش من البيت الأبيض لن يرسلوا له برقية وداعٍ ومواساة. فالتهديدات والاستخدام المفرط للقوة والرصاص... كلها أمورٌ يكرهها الجميع إلا المنافقين والحاقدين ومستشاري السوء.
سعادة الوزير... التمييز ظلمٌ، والظلم ظلمات، ولا يقبل مواطنٌ بحرينيٌ شريفٌ، مهما كان لونه أو مذهبه أو قبيلته، بأن يُظلم جاره، أو يُمارس ضده التمييز. على هذا ربّانا آباؤنا، ونريد أن نربّي أولادنا سنة وشيعة، ليعيشوا في بلدهم كراما آمنين، ولذلك سنكتب ضد التمييز، وليعمل الجميع على إسقاطه كسياسة، حتى يتم علاج هذه الآفة التي تنخر في عظام هذا البلد الحبيب. أمّا التهديد بالقوانين البالية، فإنه سيبعدنا عن حل المشكلة، ويزيد الاحتقان ومراكمة الأزمات، في بلدٍ يعاني أصلا من مشكلة إسكانية متفاقمة، ونظام تعليمي يحتاج لخطة إنقاذ، ووضع اقتصادي يتراجع للوراء، وغلاء و»زحرمان».
التمييز واقعٌ يا سعادة الوزير، واستمراره يصادر الحلم بدولة المؤسسات، ويقضي على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص. وبدل ملاحقة الداعين لمحاربة التمييز وتصفية آثاره، المفترض أن تلاحقوا السوس السياسي المتنفذ الذي ينخر الدولة من الداخل، ويمتص دمها وخيراتها كالبعوض باستغلال سياسات الأثَرَةِ والتمييز، فهؤلاء يأكلون التمر وتحسب على الدولة النوى
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2256 - السبت 08 نوفمبر 2008م الموافق 09 ذي القعدة 1429هـ