كما كان متوقعا، لم يتردد الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما، في الإفصاح عن أولوياته، فبادر إلى تطمين المواطنين بأن معالجة الأزمة الاقتصادية على وجه السرعة ستكون على رأس قائمة الأولويات بعد أن يتسلم مهماته في شهر يناير/ كانون الثاني المقبل، مؤكدا أن لديه «خطة لإنقاذ الطبقة الوسطى».
مقابل ذلك، حذر تقرير اقتصادي صادر عن بيت التمويل الخليجي بعنوان «اقتصاديات دول مجلس التعاون واستراتيجية الربع الأخير للعام 2008»، من أن «تراجع أسعار النفط عن 60 دولارا يشكل خطرا رئيسيا على معدلات نمو دول الخليج»، مشيرا إلى أن «وتيرة النمو الإيجابية لدول مجلس التعاون ستستمر في حال بقاء أسعار النفط فوق مستوى الـ60 دولارا للبرميل».
وأشار التقرير الذي أوردته صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية أنه «في ظل الأسعار الحالية ستتراجع عوائد النفط بنسب لا تقل عن 40 في المئة خلال العام المقبل بالمقارنة مع العام الجاري، ما سيؤدي إلى تراجع الفوائض في الحسابات المالية والحسابات الجارية».
بقي أن نعرف أن هذا الهبوط جاء بعد أن بلغت أسعار النفط أعلى مستوياتها، على الإطلاق خلال شهر يوليو/ تموز 2008، عندما تجاوز سعر البرميل حاجز 147 دولارا.
قد تبدو عملية الربط مفتعلة بعض الشيء، لكن الحقائق تثبت أن هناك علاقة مباشرة بين أسعار النفط والأوضاع في الولايات المتحدة وبشكل مباشر، أولا، وتعقب ذلك انعكاسات على السياسات الخليجية، الاقتصادية والتنموية ثانيا.
فما إن ترتفع أسعار النفط، حتى يقفز التسلح والأمن إلى أعلى درجة في سلم اولويات الإنفاق، ويترافق ذلك مع مبالغ طائلة أخرى تخصص للإنفاق على المقتنيات الباذخة من يخوت وطائرات خاصة تصل قيمها إلى عشرات المليارات من الدولارات، ونسبة عالية يتم استيرادها من الولايات المتحدة، أو تقدم خدماتها شركات أميركية. وعلى المنوال نفسه، وما أن تتراجع أسعار النفط حتى تتقلص الموازنات، لكن هذه التقليصات لا تمس بأي شكل من الأشكال موازنات مؤسسات الأمن والدفاع، وإنما تطال تلك الموازنات المخصصة لقضايا التنمية وخدمات المواطن الأساسية من تعليم ورعاية صحية وإنشاءات البنية التحتية من طرق واتصالات.
بوسع القارئ أن يلمس علاقات التأثير بين ما يجري في الولايات المتحدة وساحة أسعار النفط من خلال مراجعة سريعة لأسعار النفط كسلعة استراتيجية لها دور مباشر في تأجيج وتحريك الصراعات العالمية منذ العام 1914 عندما تهاوت شركة ستاندرد أويل، التي كانت في وقتها تعتبر من أكبر الشركات المنتجة للنفط في العالم، والتي كانت تمتلك آبارا تمتد من القارة الأميركية غربا حتى آسيا الوسطى وتحديدا منطقة بحر قزوين شرقا. فمنذ انتهاء الحرب العالمية الأولى وبعد أن سجلت أسعار النفط مستويات تصل إلى 100 دولار للبرميل تنامت الحاجة إلى تأمين مصادر الطاقة للعمليات العسكرية والإنتاج الصناعي. وبفضل ذلك تحول النفط، ومن ثم التحكم في أسعاره، ليصبح من أهم الأهداف العسكرية وأحد المعايير الرئيسية في رسم الخرائط السياسية والاقتصادية.
وإذا كنا لا نتناول هنا العوامل الأساسية ذات التأثيرات شبه الثابتة في تحديد أسعار النفط والتي تسيِّر آليات السوق، مثل المخزون النفطي التجاري الذي تحتفظ به الشركات لمواجهة الطوارئ، وكذلك المخزون الاستراتيجي، إلى جانب العرض والطلب الناشئ عن قوانين الأسواق التقليدية، فإننا نشير إلى العوامل المتحركة التي تدخل في صلبها المضاربات الباحثة عن أرباح سريعة، والصراعات السياسية الساعية وراء مناطق للنفوذ وبسط السيطرة، وهي التي تتحكم اليوم في هذا التأرجح غير المسبوق في أسعار النفط،، وأدت إلى التذبذب السريع في أسواقه من خلال الأشهر الستة الماضية.
لذلك فأكثر ما يخشاه المواطن الخليجي اليوم أن تبادر دول المنطقة، وتحت مبررات «سياسات التقشف الضرورية» إلى «الاقتصاد» فقط في موازنات الإدارات التي تمس حياة المواطن على نحو مباشر وهي الصحة والتعليم، من دون أن تمس سياسة التقشف تلك أيا من الوزارات الأخرى مثل الأمن والدفاع، الأمر الذي يضاعف من مخاوف المواطن الخليجي، وهو ما أشار إليه أيضا تقرير بيت التمويل الكويتي، وهو نزوح رؤوس الأموال الخارجية، بدلا من استقرارها في المنطقة جراء خشيتها من شح السيولة. وكما ورد في التقرير فالبيانات تشير إلى «خروج نحو 7 مليارات دولار أميركي، نحو 3 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، في الفترة من يناير حتى منتصف أكتوبر العام 2008 من سوق دبي المالية»
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2256 - السبت 08 نوفمبر 2008م الموافق 09 ذي القعدة 1429هـ