العدد 1702 - الجمعة 04 مايو 2007م الموافق 16 ربيع الثاني 1428هـ

قانون أحكام الأسرة من جديد

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

عاد موضوع قانون أحكام الأسرة للطرح في الأيام الأخيرة وهي خطوة تُحسب لجمعية سيدات الأعمال التي دشنت حملة بدعم من مبادرة الشراكة الأميركية للشرق الأوسط لفتح الملف من جديد وإعادة حرارة التعاطي والتداول بشأنه. كما أن الاتحاد النسائي بصدد متابعة تحركه في المسألة ذاتها خلال الأيام المقبلة. منذ بدء الإصلاح توجهت قوى المجتمع - مدفوعة بتفاقم معاناة أفراد الأسرة وتعدد المشكلات والإشكالات الناجمة عن غياب القانون - لفتح الملف وإدارة حوار مجتمعي بشأنه. كما اُتُخذت بعض الخطوات الرسمية في الاتجاه المذكور أهمها ما قام به المجلس الأعلى للمرأة من خطوات عملية تمثلت في إجراء دراسة توصلت إلى حاجة المجتمع الماسة للقانون ثم الدفع بتشكيل لجنة لصوغ مسودة للقانون خرجت للنور لاحقا. تلا ذلك صوغ آخر قام به بعض القضاة والعلماء، وربما تبعه صوغ ثالث.

من جهته، تحرك المجتمع المدني فنُظِّمت كثير اللقاءات وأُديرت كثير الحوارات كما بُذلت مساعٍ لتفعيل لجنة الأحوال الشخصية المؤسسة منذ ما يربو على الربع قرن. حصيلة الجهود أثارت ردود فعل متباينة وبدا واضحا أن الأمر كان يمضي نحو التأزم، فما بين الجهود الرسمية والمداولات المجتمعية والمحاولات النيابية وتحفظات علماء الدين بقوة تأثيرهم في الشارع، تعثرت مسيرة إصدار القانون. وبلغ الأمر حد التأزم حينما سيّر علماء الدين مظاهرة بعشرات الآلاف ضمت آلافا من النساء. استشعر عدد من نواب الفصل التشريعي السابق خطورة ما آل إليه الوضع وبذلوا محاولات مستميتة لبلورة توافق بين السلطة الرسمية وعلماء الدين على صيغة توافقية هي مدونة الأحوال الشخصية. ومع انتهاء عمل المجلس السابق توقفت الجهود وعاد الملف إلى الرف.

مسودة مشروع القانون التي تسعى جمعية سيدات الأعمال لتعميم تداولها ومناقشتها في حملتها الجارية ليست مسودة أو مشروعا لقانون واحد موحد بل هي قانونان منفصلان يشكّل كل منهما معمارا كاملا مكتملا مستقلا بذاته. ذلك على رغم ما هو مطروح في مقدمته بأنه مشروع قانون واحد يتكون من فصلين مراعاة للخصوصية المذهبية وحفاظا على كيان الوحدة الوطنية. لا أحسب أن المحافظة على كيان الوحدة الوطنية يكون بوضع قانونين مستقلين منفصلين تحت عنوان قانون أحكام الأسرة وعنونة القانون الأول بالفصل الأول والقانون الثاني بالفصل الثاني. ولا أحسب أن بين المذاهب الإسلامية التي يجمعها دستور واحد موحد هو النص القرآني الكريم ذلك الاختلاف الشاسع في الأحكام الشرعية الخاصة بتنظيم الزواج والطلاق والنفقة والحضانة.

نصوص القانونين الموجودين بين دفتي كتيب واحد صدر عن صحيفة «الأيام» الراعي الرئيس لحملة جمعية سيدات الأعمال تتضمن نقاطا متطابقة هي هي ذاتها بالصوغ ذاته. كما تتضمن كثير النقاط موحدة المضمون مختلفة الصياغة لا أكثر. هذا مع الإقرار بوجود بنود في نص أحد القانونين لم ترد في النص الآخر، وكذلك وجود بنود مضيئة - من منظور العدل والإنصاف - في أحد النصين مقارنة بالنص الآخر، إلى جانب عدد من البنود التي تتناول القضايا ذاتها برؤية مغايرة بين النصين. لم نطرح أمثلة على ما ذكرنا على رغم سهولة ملاحظتها حتى من قبل غير المختص بأحكام الشريعة وغير القانوني. وذلك لأن مكان طرحها ومناقشتها ليس عبر مقال صحافي بل داخل ورش عمل متخصصة هاجسها الأساس هو الحفاظ على كيان الوحدة الوطنية ومراعاة الخصوصية المذهبية. من جانب آخر، إذا كان الهدف الأساس من القانون إنصاف المواطن/ الفرد في الأسرة، فحري أن يكون النص القانوني في متناول فهمه وأن يصاغ بلغة أكثر تبسيطا ووضوحا. النص المطروح يشتمل على الكثير من الصيغ والمصطلحات الخاصة، ما قد يُقصر تعاطيه على القضاة وعلماء الدين فقط ويبقيه في حدود أروقة المحاكم وعلى منصات القضاة فحسب. أما إن كان الهدف وصول نص القانون لفهم الجمهور المعني، فحري أن يصاغ بلغة أقل تعقيدا ويُتبع بلائحة تفسيرية تبسط المعاني والمصطلحات الفقهية والقانونية. الطموح الأبعد أن قانونا مهما بمستوى أحكام الأسرة حري - بعد صدوره - أن يُدرَّس في المدارس الثانوية والجامعات وأن يتم تناوله في برامج توعية تلفزيونية.

يعود الحديث اليوم عن أهمية فتح حوارات عن القانون من أجل الوصول إلى توافقات بشأنه. أظن شخصيا أن كل الحوارات المجتمعية قد استُنفذت واستمرارها يحمل في طياته سنوات تأخير أخرى. وأظن أنه إن كان هناك ما يُناقش فمع علماء الدين فقط لا غير. أما المطلوب فهو خطوات عملية على طريق التنفيذ أكثر من أي جدل عقيم سيطول بلا نهايات سعيدة. لتكن مسودة مشروع القانون التي عممتها جمعية سيدات الأعمال أرضية الانطلاق في خطوات التنفيذ يتبعها تكليف رسمي على أعلى المستويات بتشكيل لجنة من ذوي الاختصاص الشرعي والقانوني من المذهبين لمراجعة وتنقيح المسودة المطروحة. ونطمح أن يكون هاجس اللجنة - حين تباشر عملها - هو إرساء قانون واحد يدمج البنود المتطابقة، ويضع صياغة موحدة للبنود ذات المضمون الواحد والصياغات المختلفة، ويُبقي البنود المضيئة وكذلك البنود التي يخلو منها هذا النص أو ذاك. ثم وفي فصل خاص تأتي البنود ذات الاختلاف الواضح بين المذهبين كل على حدة بما يضمن حفظ الخصوصية المذهبية. وخلال عمل اللجنة يمكن للمؤسسات المدنية والأفراد التقدم لها بمقترحاتهم بإضافة ما قد ينقص المسودة المقترحة من بنود تتعلق مثلا بوضع الطفل وحقوقه أو غيرها من إضافات.

لا أرى دورا للجنة التنقيح وإعادة الصوغ غير هذا الدور التوحيدي، ذلك إذا وضعنا مبدأ الحفاظ على كيان الوحدة الوطنية نصب أعيننا وعلى رأس أولوياتنا. لجنة متخصصة من هذا النوع قادرة على أن تشتغل على الصياغات الملائمة الجامعة. وبعدها سنلمس كم هو معزز للوحدة الوطنية أن يدرس أبناؤنا وشبابنا قانونا موحدا وأن ينطلق قضاتنا من قانون موحد وأن نرفع رأسنا أمام الأمم وأمام المجتمع الدولي بقانون موحد. في ظل ما نشهده من احتراب طائفي هنا وهناك، فإن ما سننجزه في هذا المجال سيكون وسيلة من وسائل تماسك اللحمة الوطنية، ليتنا نعي ذلك قبل فوات الأوان.

يبدو أن من أهم عوائق إصدار القانون تمسك فريق من علماء الدين الموقرين بشرط - أظنه متشدد وغير عملي - يطالب بضمانات دستورية بشأن الجهة المناطة بأي تعديل مستقبلي للقانون بعد إقراره. ندرك ونقدر حرص رجال الدين على دين الأمة والدولة، لكننا ندرك ونقدر أيضا حرص الدولة على هيبة دستور المملكة ورصانة نصوصه. وذلك ما يدفعنا لأن نؤكد أنه إذا كانت هناك من حاجة للحوار والنقاش، فأحرى أن تكون مع علماء الدين فقط بهدف التفتيش عن آليات ملائمة أكثر واقعية وموضوعية لتحقيق ما يطلبونه من ضمانات.

علينا ملاحظة أن عجلة الحياة تمضي وكم المشكلات الأسرية والمعاناة في غياب القانون تتزايد. وأمام العراقيل التي تعوق صدور القانون وأمام كم الشكاوى التي يتلقاها المجلس الأعلى للمرأة، يبرز توجهه الحالي نحو اعتماد معالجات جزئية لمعاناة أفراد الأسرة البحرينية فيما يتعلق بالنفقة وإجراءات التقاضي. فقد عمل المجلس على الدفع بإنشاء صندوق النفقة الذي من المفترض أن يرى النور قريبا في أروقة وزارة العدل. كما دفع باتجاه اعتماد إضافات على قانون إجراءات التقاضي أمام المحاكم الشرعية الصادر العام 1986 بهدف التسريع بتلك الإجراءات. وأصدرت الأمانة العامة للمجلس الأعلى بالتعاون مع جامعة البحرين كتابا بعنوان «دليل المرأة في إجراءات التقاضي أمام المحاكم الشرعية». وعلى رغم الأثر الإيجابي لتلك المعالجات الجزئية فإنها لا تغني عن صدور قانون متكامل لأحكام الأسرة، والمرجو ألا تفتر همّة هذه الجهة الرسمية المهمة المعنية بالمرأة باتجاه تكثيف الجهود لإصدار القانون.

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 1702 - الجمعة 04 مايو 2007م الموافق 16 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً