بعد أن استغفلت ساحة الغناء، أجسادا لا علاقة لها بعالم الأغنية، وأصبح «اللوك» هو المتحكم في نسبة رواج الأغنية وانتشارها وترديدها على الألسن، بحيث أصبح الكم الكبير من «موديلات» الكليب هن السبب الرئيسي وراء رواج أي عمل فني، بعيدا عن مثلث نجاح أي أغنية (الكلمات واللحن والصوت)، ووجدان صانعي هذا المثلث وأحاسيسهم الصادقة المنبعثة من تجاربهم الشخصية، أصبحت الأغنية حاليا مرتكزة في مضمونها على الهزل، ومصطلح يستسهل الناس حفظه وتداوله، بحيث أصبح القائمون على صناعة الأغنية هم المتحكمون بالسوق، وفق مصطلح «انفق هزلا واكسب مالا» بأقصر الطرق. كيف لا، والجمهور بات يتقبل أي شيء، وكل شيء، كأنه مخدر الفؤاد ومسير العقل، ولا يرفض أي إسفاف، بل يتقبله ويجري نحوه.
أذكر.. عندما ظهرت نانسي عجرم قبل سنوات قليلة، في كليبها «الجريء آنذاك» «أخاصمك آه»، قامت الدنيا ولم يجدِ نقاد الأغنية أي تبرير لذلك الإسفاف والعري، وناصب نواب بعض الدول العربية العداء لبنت عجرم، التي دخلت بأغنيتها «قهوة للرجال» بثوب قصير وأكمام عارية، ولكن نانسي بصوتها الجميل أغلقت هذا الملف الذي ذاع صيتها بعده، لتؤكد «حسن نيتها» عندما أدخلت مفهوما جديدا لتصوير الفيديو كليب مع المخرجة اللبنانية نادين لبكي.
ولم يكن ذلك سوى إشارة لباقي «النجمات»، فلم يكد الجمهور يستفيق من ذهوله وهو يرى أغنية لأليسا ظهرت بها «بشرشف فقط»، حتى ألفت أذن المستمع «آهات هيفاء وهبي» و «مناجاة دومنيك حوراني لعتريس»، بحيث أصبحت الأغنية هذه الأيام فقط «للنظر».
ويبدو أن الغيرة الفنية مما يجري، التي كمنت وقيدت لفترة طالت عن الأربع سنوات في لبنان، غافلت عاصمة الفن العربي وهوليوود الشرق (القاهرة)، حتى استوطن الإسفاف الأغنيات المصرية الجديدة، والتي يقودها شلة من «التافهين الجدد»، بحيث صارت أغاني الزمن الجميل لأم كلثوم وعبدالحليم وفريد الأطرش وأسمهان وليلى مراد وغيرهم، غريبة عن الأذن ولا تستساغ، إذ عمد منتجو الأفلام التي أطلق عليها «موجة أفلام الشباب» إلى إقحام الأغنية التي تصمم على مقاس الغريزة، في أجواء هذه الأفلام، غير عابئين بالنتيجة التي من الممكن أن يثيرها ذلك، فهل أغنيات كـ «اركب الحنطور واتحنطر» أو «أنا بحبك يا حمار» وغيرها، تساهم في رفعة الفن وتقدمه. وإذا كان سعد الصغير قائد هذه الموجة من أغنيات «التوتو ني» سعيد بما يحققه من انتشار، ما رأي الشارع المصري والعربي خصوصا وفنانيه ونقاده ومنتجيه وصناع أفلامه، من موجات التحرش الجنسي التي شهدتها الشوارع المصرية، وكتب عنها الإعلام طويلا، بعد مشاهدة «الشباب المكبوت» لأغنية «العنب العنب» التي ذاعت بفضل جرأة سعد الصغير والراقصة دينا.
هذا الانتشار لمثل هذه الأغاني، سيساهم في تسميم الذوق العام، وسيصل بفضل إغفاله وسهولة انتشاره إلى كل البقع التي من الممكن ان تسبب مزيدا من الإسفاف الفني، فلا بد من حد لوقفه، بدلا من الزهو باستضافة هذا الهزلي أو ذاك، أو التفاخر بأن أجهزتنا الخلوية، عندما يأتينا عبرها اتصال... تنهق بأغنية «أنا بحبك يا حمار».
العدد 1702 - الجمعة 04 مايو 2007م الموافق 16 ربيع الثاني 1428هـ