العدد 1701 - الخميس 03 مايو 2007م الموافق 15 ربيع الثاني 1428هـ

«شرايب البطح» بين الإهلاك القومي والاستهلاك الطائفي!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

إن كان من بين كبار ضيوف البحرين المشاركين في الدورة الــ 18 لانعقاد المؤتمر القومي العربي في مملكة البحرين ممن اشتهر بحصوله على كوبونات وهدايا وامتيازات من بعض أنظمة الغنيمة العربية وعروش البؤس الراهن على حساب طهرانية المبدأ ووقار القضية القومية الكبرى فهذا أمر طبيعي، كما هو طبيعي جدا أن يكون هنالك أيضا عدد من المناضلين والشرفاء الصادحين بالحق، والذين ضاقت بهم الدهاليز والأقبية والزنازين وذاقت ملح أجسادهم المعروقة والنازفة فتأججت.

كما أن هنالك من بين الحاضرين شيخ عربي جليل معرّض للاغتيال أو الاعتقال في أية لحظة من قبل حكومة بلاده المحتلة والمكونة من العملاء والطائفيين بشتى أشكالهم، وهنالك من المفكرين ممن عرفوا بإسهامهم الفكري الخصب في مختلف الحقول العلمية بما فيها حقول العلوم الإنسانية، وهنالك من أشرف على مركز للبحوث والدراسات، ظل رغم سوء الحال المادية، يثري المكتبة العربية بمختلف أنواع البحوث والدراسات الجادة والرسائل الأكاديمية حول مختلف المجالات العلمية والفكرية والثقافية بما فيه الدراسات الحداثية ودراسات الديمقراطية ومعالم الفكر التقدمي، إلى جانب ترجمة أمهات الكتب العالمية وروائع الإبداع الفكري والفلسفي العالمي.

فهل تؤخذ جميع هذه الأصناف ذات الإشراق النضالي والمعرفي الذي ملأ شتى الآفاق العربية والعالمية بجريرة الصنف الأولي من عملاء أنظمة الغنيمة العربية والمرتزقة والانتهازيين والمتمصلحين من رفعهم لشعارات القومية والإسلاموية؟! وهل من العاقل والمعقول منطقيا أن يلجأ الفرد منا أيا كانت وجهة نظره من المسألة القومية العربية إلى تحميل القومية العربية كواقع اجتماعي إنساني سوءات وتبعات ما حاق بالأمة العربية والإسلامية من شر نكبات وتخلف وهزائم من دون وجه دقيق، وبالتالي يدعو إلى استصدار شهادة وفاة للأمة العربية ورابطتها القومية، وهو ما يشبه جلد الذات وهرشها كراهة؟! فمنذ متى حكم الشعب العربي نفسه أصلا، ومنذ متى نال السيادة كاملة؟! وهل يتحمل معين القومية العربية بكل سعته وغزارته وجميع المعتزين والموتورين منه جرائم أنظمة قمعية واستبدادية تتربع الآن في مزبلة التاريخ بعد أن دبجت خطاباتها بخضاب هذه الرابطة القومية الإنسانية، واكتحلت بدم أبر أبنائها وأكثرهم إخلاصا ووفاء لمثلهم وقيمهم المبدئية العليا؟! وإن تم إعلان وفاة الرابطة القومية العربية التي لم تولد أصلا ببعدها الإنساني والحضاري التواصلي مع سائر القوميات الإنسانية الأخرى التي تشترك معها في متحدات تراثية وثقافية معينة، فهل من بديل آخر غير الرابطة الشرق أوسطية والطواف حول الكعبة الصهيونية قربانا للرب الأميركي، وهو إعلان انتحار حضاري وقومي مشترك؟!

جميع تلك الأمور لابدّ من أخذها بالاعتبار حين انتظار المولود القومي الإسلامي المشترك والحلم الحضاري المتحد الذي طال انتظاره لأكثر من قرن من صراع وإبداع الهمجيات والرجعيات المتعاقبة على حكم المنطقة، كما أنها لا يمكن أن تتحول لكراهية وجلد للذات لمجرد أن يكون المنظم والراعي ومتصدر شاشات الحديث باسم المبادئ والشعارات القومية والإسلامية وتدشين المشروع النهضوي القومي البديل هو انتهازي دخيل على الساحة أو محترف مزايدات ومفوه بليغ يريد أن يحقق مشروعاته الذاتية وأعماله التجارية «البزنس» بمسمى المشروعات القومية النهضوية، كما أنه من المبتلين بحب الظهور والبروز وادعاء البطولة والتورط في معارك دو كيشوتية مع سائر الطواحين إلى ما لا نهاية! فأمثال هؤلاء موجودون في كل عصر، وموجودون بكثرة في بيئتنا المحلية كــ «الفقع» بعد زخات مطر موسمية كثيفة، والشعب البحريني الأصيل الضارب بجذوره في معين العروبة والإسلام والتراث البشري الإنساني ليس بحاجة ؛لأن يتعلم من هؤلاء المتسلقين سياسيا معاني النضال والاعتزاز بهويته الحضارية.

ويروي في مثل هذا الصدد المناضل الوطني الكبير والنقابي العتيد عبدالله مطيويع عن تجربة مرة شارك بها في نهاية التسعينات من دون زيادة أو نقصان، وذلك خلال مداخلة لم يتح لها أن تتداخل، فيقول: «في منتصف إحدى ليالي العام 1998م انطلقت الطائرات الحربية الأميركية «التورنيدو» من عدد من القواعد والمطارات العسكرية بدول الخليج والجزيرة العربية لتصب حمم قنابلها على أهلنا في العراق، وذلك بمعونة البوارج الحربية، والتي كانت ترسل قذائفها غير الذكية إلى المواقع المدنية والعسكرية بالعراق على حد سواء، فكان دمارا ليس قبله دمار، وفي مثل تلك الليلة الحزينة بادرت ثلّة من أهل البحرين في «فريج شط العرب»، وقد ملكت الشجاعة والإقدام رغم قانون أمن الدولة وحالة الطوارئ الجاثمة على صدور أهل البحرين، فقررت تلبية نداء الروح والقلب، ودعت لمسيرة شعبية صباح يوم الخميس احتجاجا ضد تدمير العراق عبر الغزاة، بحيث تنطلق من مسجد الشيخ حمد الذي سبق أن خرجت منه جلّ المسيرات والانتفاضات وخصوصا انتفاضة مارس 65 المجيدة. وقد أرسلت مئات المسجات والاتصالات الهاتفية للدعوة للمشاركة في تلك المسيرة الجماهيرية التي انطلقت بمشاركة قيادات شعبية وطنية على رأسها فقيد الوطن المناضل عبدالله فخرو (رحمه الله) و فؤاد شويطر وسلمان كمال الدين، وعبدالله هاشم وغيرهم، وجوبه هذا التحرك رغم تواضع حجمه وتردد الجماهير في المشاركة فيه خوفا من حشودات تفوق حجمها بأضعاف مضاعفة من قوات الأمن وقوات مكافحة الشغب المدججة بالأسلحة واعتقل المناضل عبدالله فخرو لساعات، فانتهت المسيرة بقرار من منظميها؛ لأن الكثرة تغلب الشجاعة».

كما يضيف حول دور القوميين المخلصين في النضال القومي والوطني فيقول «هنالك مناضلون قوميون حقيقيون رائعون ولكنهم صامتون، وقد كتب أحدهم يوما على جدار زنزانة في سجون البحرين بدمه حينما لم يجد مدادا غيره (هذه حياة لأجل حياة - حسين قاسم)، وهو الذي لا يزال يكتب بصمت حكاية يجهلها مَنْ أتى بعد، ولا يمكن المزايدة على نضالات جبهة تحرير شرق الجزيرة العربية ومنهم عوض عبيد اليماني وأحمد قاسم ونوح عبدالعزيز، ولا يغيب قط عن ذاكرتنا المرحوم جاسم فخرو». ويعلل مطيويع إعادة سرده لتلك الحوادث التاريخية بأنها للتذكير وللأمانة التاريخية الضرورية وليست لاستعراض البطولات، وإن تذكر مثل هذه الحادثة وذكرى العرائض الشعبية والمطالبات الوطنية الإصلاحية هو أمر ضروري لكشف وفضح المتسلقين والمتملقين والراكضين إلى مصالحهم الخاصة باسم القضية والقومية، وهو الذي يصفهم بــ «شرايب البطح» التي تخرج إلى الساحل بعد انحسار المد البحري.وأمثال هؤلاء من «شرايب البطح» لم يرَ لهم من وجود وحضور يذكر في التسعينات حينما كانت تفتح أبواب الجحيم على بغداد ويذوق أهلنا في العراق الأمرّين، كما أنهم لم تسمع لهم أية مطالبات إصلاحية ونهضوية ديمقراطية كالتي يدعونها باسمهم ويتصدرونها إعلاميا حاليا، بل هم وقفوا في حزب القمع والسلطوية النفعية، وإذا وقعت الوقائع فهم إما ملتحفون باللحاف «البرنوص» أو «الكمبل» هلعا على رغم اشتداد الصيف، أو مسافرون إلى الخارج سياحة وترفيها بحجة الضرورة وحماية الحلم القومي الذي يقتل بمقتل صاحبه وفرده وزعيمه!

فكيف يطلب من هؤلاء استنكار الاتجاهات البحرينية الرسمية للتطبيع مع الكيان الصهيوني إذا كانوا هم أنفسهم من بين المنتفعين باسم القضية ضمن التكتيكات السياسية الرامية إلى «وفاق وطني» سلطوي، ومثلهم في ذلك مثل مجسمات العرض في إحدى بوتيكات الأزياء من الدرجة الخامسة؟! وإن كان من بين هؤلاء «القوميين» من مازال وطنيا محابيا للأوتوقراطية السلطوية، ومستذكرا بنوستالاجيا جنّة صدام حسين في العراق، فإن هناك صنفا آخر كارها لذاته وأصل انتمائه بدلا من الاعتزاز بها وجعلها جسرا تواصليا بين محيط وتراث حضارتين وثقافتين كبيرتين بينهما من المشتركات أكثر من المتفرقات، وهو يذكرني بقصة وزير الدعاية النازي الأسبق جوزيف غوبلز الذي أصيب بعقد نفسية منذ صغره جرّاء هزاله ودكنة بشرته واسوداد شعره، مما جعله شاذا متمايزا عن «الكاراكتر» المميز للألماني الكاثوليكي، فأدت به تلك السحنة الشكلية والبنيوية المحبطة آريا وجرمانيا إلى ذروة التطرف النازي وإتباع سياسة الكذب القومي المتتابع حتى يصدّقه الناس، ووجدنا لدينا هنا مقلديه الذين يكذبون على الشعب في المجالس والأندية والصالات، فيثيرون البلبلة ويهددون استقرار البلاد، ويكذبون باستمرار على صحافة غير مرغوب فيها لإبعادها عن ساحة التغطية المميزة للمؤتمر القومي العربي وكأنما المؤتمر «مال أبوهم»!

ولكنهم وكعادة المبغض الذي يجد نفسه بغتة، وقد تطبّع بالطباع التي ينسبها لعدوه الذي يبغضه، فهم يقدّسون الطواغيت أكثر من ما جاء في عهد أردشير الفارسي، ويخلطون بين القومية ذات الجذر الإنساني الحضاري مع الأيديولوجيا الفاشية، ويلتاعون لتقديس النيران وإشعال الحرائق الطائفية في البدن القومي ، ويمارسون أشد أنواع الشوفينية تعصبا بحق الغرباء والأجانب المغايرين لتوجهاتهم/ هن الفكرية، كما يمارسون أشد أنواع التخوين والإقصاء والتكفير قسوة ضد المختلف معهم فكريا من داخل المنظومة ذاتها، وبعد كل ذلك يقولون: إن إيران هي أصل وسبب تخلف العرب في كل القرون، وهم في شراكة مع صاحب بازار لصناعة سجاد «قومجي» تزداد جودته كلما داست عليه الأقدام!

أقولها ختاما كل هؤلاء المتملقين والمتسلقين والكارهين لذواتهم والمعقدين نفسيا والوصوليين وإن شكلوا أبرز وأكبر العوائق الاجتماعية والسياسية أمام نجاح أهداف فعالية بحجم المؤتمر القومي العربية فإنهم لا يمكنهم تخريبها إلا سطحيا، فعقد هذا المؤتمر في البحرين هو كان ولا يزال مطلب المناضل الوطني الكبير عبدالرحمن النعيمي «شافاه الله ورعاه» الذي لم يتمكن من حضور المؤتمر بسبب المرض فظهرت بعض «شرايب البطح»! وهذا المؤتمر بكل ما حفل به من هموم وقضايا ومطالبات هو فضل وظل «بوأمل» على البحرين، وإن كان هنالك شيء من الإهلاك القومي والاستهلاك الطائفي المراد إحياؤه في قاعة هذا المؤتمر بفضل «شرايب البطح» فهو أقرب للتبدد والتلاشي مع أصحابه إذا ما عاد المد البحري من جديد وغطى سواحلنا المكشوفة، وهدير أمواجه لا يزل مشتعلا صداه في آذاننا.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1701 - الخميس 03 مايو 2007م الموافق 15 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً