برز تنظيم «القاعدة» إلى الضمير الشعبي العالمي مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول. ومنذ ذلك الوقت تلقى التنظيم ضربات قوية وقُتِل الكثير من كبار قادته أو أُسروا، وبقي آخرون مختفين.
وإذا أخذنا مختلف مبادرات مقاومة الإرهاب في الاعتبار فقد أصبح من الصعوبة بمكان شراء الأسلحة وتحريك الأموال بل والقيام بمجرد الاتصال.
أصبحت قيادات التنظيم، تحت هذه الظروف، أكثر انتشارا، وأصبح القادة المحليون مسئولين عن القيادة والضبط بينما يقدم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري القيادة الروحانية فقط من خلال التسجيلات المرئية والمسموعة. وهكذا تحولت القاعدة من منظمة ذات نسيج قوي متراص إلى تجمع رخو من الخلايا المستقلة قد تتسلم دعما مباشرا من المنظمة الرئيسية أو قد لا تتسلم، وتستطيع العمل باستقلال عنها.
وبحسب رأي المؤرخ ر.ت. نايلور فإن تنظيم «القاعدة» نفسه لم يعد موجودا. لقد أصبح شبكة سائبة من أفراد يفكرون بشكل متماثل يدينون بالولاء للقائد الرمز نفسه الذي قد لا يكونون قد عرفوه وحيث لا علاقة أساسية لهم معه. وهم يقومون بعملياتهم وحدهم، على رغم أنهم قد يسعون بين الفينة والأخرى للحصول على بعض النصح والإرشاد.
هذا الاندماج الرخو من هياكل الخلايا المستقلة هو بشكل متزايد صورة تنظيم القاعدة المستقبلي الذي يشكل تحديا لمسئولي مقاومة الإرهاب في كل أنحاء العالم. ليس هذا هو شكل الإرهاب القديم. في حالات مثل مجموعة بادر ماينهوف والجيش الأحمر الياباني عنى تحييد قيادة المنظمة تحييد المنظمة كاملة. لا يستطيع مسئولو المخابرات الذين يحاولون اختراق شبكة القاعدة الجديدة سوى أن يأملوا، في أفضل الحالات، أن يصفّوا خلية مستقلة واحدة، بينما تستمر الخلايا الأخرى في العمل.
في الوقت نفسه تتحدى شبكة القاعدة الجديدة الممتدة هذه «قيادة» التنظيم. يتوجب على بن لادن الاعتماد على القادة المحليين مثل أبو مصعب الزرقاوي، حتى فترة وجيزة، ومجموعته من القتلة المتوحشين في العراق. إلا أن أعمالهم الزائدة ضد كل من السُنة والشيعة تنعكس سلبا على القاعدة ككل. ومن التحديات التنظيمية الأخرى التي تواجه القاعدة أن الشبكة الرخوة بحاجة إلى مادة لاصقة لربط الأجزاء المتباعدة معا. هذه المادة اللاصقة هي العقيدة. ويمكن تمييز الحدود الأوسع لعقيدة القاعدة بسهولة: إنها معادية للغرب وللسامية. إنها تسعى إلى تدمير ما تسميه بالأنظمة المرتدة، كتلك الحاكمة في السعودية ومصر. هي عنفية، ومعادية للتسامح والتعددية وتسعى إلى إعادة الخلافة. هذه هي عقيدة القاعدة: شكل من أشكال التطرف الإسلامي يتشارك في الكثير من الصفات مع العقائد السلطوية الأخرى للقرن العشرين. وإذا أخذنا أهمية هذه العقيدة لبقاء التنظيم في الاعتبار رأينا أنه من الضروري أن يأخذ النضال ضد تنظيم القاعدة شكل نضال عقائدي. وهناك يصبح وجود علماء المسلمين ورجال الدين والأكاديميين والصحافيين والمعلمين جمعيهم في مقدمة النضال. عليهم تعرية العقيدة حتى يتسنى لهم إعادة الحصول على الديانة لأنفسهم. ولكنهم من خلال ذلك يكونون قد جففوا البركة التي تجند القاعدة منها المتطرفين - لماذا تستغني عن حياتك لقاء شيء لا تؤمن به؟ إلا أنه من الأساسي كذلك أن تفهم الدول الغربية أن عقيدة القاعدة تغذيها تظلمات حقيقية. إنها حقيقة ذكرها الملك عبد الله الثاني ملك الأردن في كلمة ألقاها اخيرا أمام الكونغرس الأميركي، وهي أن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي قد سمم العلاقات بين المسلمين واليهود وبين المسلمين والغرب في كافة أنحاء العالم. الحل السريع لهذا النزاع أساسي من أجل الصراع الأوسع ضد الإرهاب. وحقيقة كذلك أنه بينما تتكلم الولايات المتحدة عن الديمقراطية قامت بالتحالف مع بعض أكثر الأنظمة استبدادا وقمعا في العالم العربي. هذا النفاق إنما يذكي نار الغضب ويزيد من تهديد الإرهاب. وحقيقي أيضا أن الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء في جامعة الدول العربية مجتمعة أقل عن الناتج المحلي الإجمالي لأسبانيا وأن 40 في المئة من البالغين العرب أميون وأن ثلث سكان الشرق الأوسط على اتساعه يعيشون على أقل من دولارين يوميا وأن أقل من 2 في المئة من سكان الشرق الأوسط يستطيعون الوصول إلى شبكة الإنترنت. التنمية الاقتصادية للشرق الأوسط ضرورة حيوية. لقد أثبت التاريخ مرة بعد أخرى أن وجود طبقة وسطى نشطة هو السلاح الأقصى ضد التطرف الفكري.
باختصار شديد، لا يمكن التغلب على تنظيم القاعدة إلا من خلال تعرية عقيدتهم من قبل المسلمين، وإذا أدرك الغرب أن هذه العقيدة بغض النظر عن مدى التوائها وعنفها تعكس تظلمات حقيقية وضيما واقعيا بحاجة إلى التعامل معها إذا أردنا تحقيق عالم خالٍ من الإرهاب والخوف.
*محاضر في دائرة العلوم السياسية بجامعة بريتوريا في جنوب إفريقيا، وهو كذلك مدير مركز الدراسات السياسية العالمية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1701 - الخميس 03 مايو 2007م الموافق 15 ربيع الثاني 1428هـ