الأمر الطبيعي أن يعيش العمّال فقراء، وإذا ما عاشوا حياة يسرٍ ونعيم، فهذا أمر غير طبيعي؛ لأن أجورهم إذا كانت حرّة وغير محدودة من جهة عليا - كالحكومة - تحديدا رسميا، فلن تزيد على القدر الذي يتيح للعامل معيشة الكفاف، وحد الكفاف أن يتلقى العامل أجرا يتيح له البقاء في الحدود الدنيا فقط. ولو زادت أجور العمال أحيانا على هذا القدر، فإن هذا يعتبر شيئا مؤقتا، ولهذا سرعان ما ترجع إلى مستوى الكفاف مرة أخرى. هذا ملخص نظرية القانون الحديدي للأجور التي جاء بها الانجليزي ديفيد ريكاردو (1770-1823)، وهو من الشخصيات الاقتصادية المهمة في القرن التاسع عشر.
وريكاردو ليس عدّوا للطبقة العاملة مطلقا ولا ثأر له مع الكادحين وغيرهم، كالمحامين البحرينيين الذين رفعوا عقيرتهم بسبب مرسوم بقانون رخّص لمكاتب الاستشارات القانونية الأجنبية لمنافستهم في العمل في مملكة البحرين، ولكنه عالم اقتصادي، توصل إلى هذا التشخيص. ولكن يُشترط لصحة هذا القانون، أن يتم تبني النظام الرأسمالي السائد آنذاك في أوروبا أو ما يطلق عليه اقتصاد السوق الحر. ولكن في حال اختلاف النظام الاقتصادي ومعطياته، فإن قانون «ريكاردو» الذي يُطلق عليه قانونا علميا، يتوقف عن العمل ولا يصح هنا الرجوع إليه في التحليل الاقتصادي، فهو قانون لا قيمة له في البلدان الشيوعية، ذلك أن الدولة تفرض أجورا عالية للعمّال. كذلك، تعترض هذا القانون قيود حديدية في مجتمع يوجب على الدولة التدخل في الاقتصاد وتوفير حد الكفاية للعاجزين عن العمل، أو الذين لا تكفيهم دخولهم.
وسرّ صحة قانون «ريكاردو» في حال تطبيق اقتصاد السوق الحر، يعود إلى كون ما يجري في الواقع في هذه الحالة أن أجر العامل، ينطبق عليها قانون العرض والطلب، حاله كحال السلعة المادية، يرتفع ثمنها إذا قل عرضها وزاد الطلب عليها، وينخفض الثمن في حال وفرتها وزيادة الطلب الفعال عليها. بالمثل ترتفع أجرة العامل إذا قلّ عرض قوة العمل، وتقل الأجرة لو زاد عدد المعروض من قوة العمل. وإذا كانت بعض السلع يمكن احتكارها من قبل بعض الشركات العملاقة ومن ثم التحكم في سعرها بخلق ندرة كاذبة في السوق، فإن قوة العمل لا ينطبق عليها ذلك، فكل فرد في العادة يعرض قوة عمله لمن يدفع أكثر، ومن هنا ستزداد صعوبة مهمات بعض النقابات والاتحادات العمالية وخصوصا في الخليج، والتي نالت الحرية مع انبلاج عصر العولمة، ولكنها قد تصبح قريبا حرية شكلية فقط، كمن يتيح لك حرية السباحة وهو يعلم أنك لا تجيدها.
وفي حال عولمة هذا النظام بحيادية ونزاهة، فإن نظرية «ريكاردو» أو القانون الحديدي للأجور سيصبح ساري المفعول؛ لأن العولمة هنا تتطلب رفع الحواجز على تدفق الأيدي العاملة بين مختلف الحدود الدولية لجعل العالم سوقا واحدة، بالضبط كما تُرفع الحواجز الجمركية على دخول البضائع المادية. غير أن الدول الغربية أدركت سلبية هذا الجانب من عولمة اقتصاد السوق الحر، وخشيت تضرر شعوبها لاحتمال تدفق الأيدي العاملة من الدول المتخلفة الباحثة عن العمل، التي يسرّها جدا الأجور التي يدفعها أرباب العمل في تلك الدول، فمهما انخفضت، تعتبر عالية بالنسبة إلى أجور بلدانهم الأصلية، ولهذا وبحجة الإرهاب، فرضت قيودا ثقيلة على دخول الأيدي العاملة، وبحسب بعض الباحثين، حتى المستثمرين من الدول المتخلفة تُوضع أمامهم عوائق بحجة مكافحة الإرهاب.
فما الذي سيحدث لعمّال مواطني دول الخليج في حال تم تطبيق بعض الاتفاقات التي تتيح استجلاب عمّال من خارج الحدود بلا قيود ورفع الحماية الأبوية عن العمالة الوطنية؟ ستدخل القوى العاملة الوطنية في منافسة شديدة مع العمالة التي سيتم جلبها من الخارج. أحد الباحثين في مؤتمر الإصلاح الإداري الذي تم عقده في إمارة المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية من تاريخ 16 إلى 17 أبريل/ نيسان 2007، ذكر هذا الأمر، وارتأى أن الحل يكمن في التدريب وصقل المعرفة حتى يمكن أن ينافس المواطنُ السعوديُّ العاملَ الأجنبيَّ ذا المهارة العالية. والحقيقة في رأي كاتب هذه السطور ليس كذلك، فحتى لو وُجد المواطن الماهر ذو المعرفة الواسعة، فإن الأمر يعتمد على وفرة العمالة الماهرة التي ستحتاج إليها الشركات، وفي حال تطبيق اقتصاد السوق الحر على مستوى عالمي، فإن وفرة قوة العمل ستدفع الأجور نحو الانخفاض إلى أدنى حد، وفقا لنظرية «ريكاردو». وطبعا ستجد الشركات عمالة ماهرة ورخيصة من الكثير من دول العالم الثالث كالهند واندونيسيا والفلبين وغيرها من الدول، وحينها مهما بلغ مستوى العامل المواطن من كفاءة، فلن يستطيع القبول بالأجر الذي يقبل عليه المهندس الهندي الماهر الذي يقبل براتب 150 دينارا، والعامل من نيبال بأقل من 50 دينارا.
يوجد شرط واحد حتى يتمكن الخليجي في عصر العولمة من منافسة العمالة الأجنبية، وهو أن يرتفع مستوى المعيشة لتلك العمالة كالعمال من الهند ونيبال فتصبح بمستوى غلاء المعيشة في الخليج. نعم، لو تم جلب أيدٍ عاملة من أوروبا الغربية وأميركا، فستكون حينها المعرفة والمهارة الشرطين الرئيسيين للمنافسة؛ لأن مستوى وكلفة المعيشة بين تلك البلدان وبلدان الخليج يصبان لصالح العامل الخليجي، وبهذا نكتشف أن عولمة اقتصاد السوق الحرّ لها شروط أخرى لتحقيق منافسة شريفة في سوق حرة.
عالم الاقتصاد ريكاردو يقول إن تطبيق اقتصاد السوق الحر، يعني تفعيل قانون الأجر الحديدي بمعنى أن العامل يعيش دائما حد الكفاف، فكيف إذا ما تمت عولمة هذا النظام بطريقة منحازة وأصبح العالم سوقا واحدة؟ كيف سيكون حال العامل الخليجي إذا توافرت العمالة من كل أصقاع الدنيا واتجهت من كل حدب وصوب، في اتجاه سير واحد من بلدانها إلى أسواق الخليج والعكس غير صحيح؟ وطبعا سينطبق قانون «ريكاردو» على كل القطاعات بما فيها قطاع المحامين المحتجين على «المرسوم بقانون رقم (77) لسنة 2006، القاضي بتعديل بعض أحكام قانون المحاماة الصادر بالمرسوم بقانون رقم (26) لسنة 1980، الصادر في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2006، والمتعلق بالترخيص لمكاتب الاستشارات القانونية الأجنبية ذات الخبرات العالمية المتخصصة بالعمل في مملكة البحرين بممارسة الإفتاء وإبداء المشورة القانونية».
ما المطلوب؟ المطلوب التفكير في مخرج في إطار هذه العولمة التي لا يمكن لدولنا الهروب منها، والتي نعاني نحن البحرينيين منها قبل أن تَقدِم إلينا بسبب سياسة الباب المفتوح للعمالة الأجنبية الرخيصة.
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1700 - الأربعاء 02 مايو 2007م الموافق 14 ربيع الثاني 1428هـ
مالتس صاحب قانون الاجور الحديدى
قانون الاجور الحديدي للعالم مالتس وينص على ان قوة العمل سلعة تباع وتشترى فالبائعون هم العمال والمشترون هم اصحاب العمل اما ديفيد ريكاردو فهو صاحب نظرية الميزة النسبية (comparative advantage)