العدد 1700 - الأربعاء 02 مايو 2007م الموافق 14 ربيع الثاني 1428هـ

الإخفاقات وتداعياتها

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كلمة «الإخفاقات» توجز العناوين الكبيرة لتقرير «اللجنة الحكومية لفحص مجريات حرب لبنان الثانية». فالكلمة تؤشر على مجموعة عناصر اعتبرتها لجنة «فينوغراد» أنها السبب وراء فشل العدوان الأميركي - الصهيوني على لبنان في الصيف الماضي. فاللجنة حمّلت في تقريرها المرحلي رئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزير الدفاع عمير بيرتس ورئيس الأركان دان حالوتس مسئولية «الفشل الذريع» في إدارة الحرب، واتهمتهم بالتهور في اتخاذ القرار وإساءة التقدير واستسهال المعركة وعدم وضوح الرؤية والتردد والفوضى وعدم التنسيق وضعف الاستعداد وغيرها من ملاحظات تشكّل في مجموعها لائحة اتهامات وهي كافية لزعزعة الحكومة وتفكيك ائتلافها الحاكم.

الخلاصات التي توصّل إليها تحقيق لجنة «فينوغراد» لن تمر من دون محاسبة داخلية وتداعيات سياسية على المستويين الحزبي والرسمي. حزبيا بات من المرجح أن يستقيل وزير الدفاع من الحكومة تاركا المقعد للرئيس الجديد لحزب «العمل». فالحزب الذي ينتمي إليه بيرتس يعتبر من المؤسسين للدولة العبرية وساهمت قياداته التاريخية في رسم الخطط وبناء المستوطنات وقيادة حروب الاحتلال والاقتلاع والتهجير والاعتداء على دول الجوار العربية.

هذا الحزب الذي اتهمت قيادته سابقا بـ «التقصير» خلال حرب اكتوبر/ تشرين الأول 1973 بدأ فعلا منذ تلك الفترة بالتراجع التاريخي عن موقعه القيادي/ التأسيسي تاركا الساحة السياسية للقوى الأكثر تطرفا والمتنافسة على وراثة المسئولية الرسمية. وعلى القياس المذكور سيلجأ حزب العمل إلى إعادة هيكلة مؤسساته وترتيبها لاستيعاب التغيير الداخلي وانتخاب قيادة بديلة يرجح أن يقودها إيهود باراك صاحب التجارب في خوض المعارك العسكرية وتنظيم الغارات والاغتيالات في لبنان وتونس ويوغندا.

بعد بيرتس يرجح أن يستقيل رئيس الحكومة أولمرت زعيم حزب «كاديما» الذي أسسه ارئيل شارون حديثا وقبل أسابيع من انهيار صحته ودخوله «غيبوبة» لم يخرج منها حتى الآن. حزب «كاديما» يختلف عن «العمل». فالأخير يمتلك تجربة تاريخية وسيرة سياسية رفعته إلى الأعلى ثم انتكس بعدها على إثر «التقصير» في حرب أكتوبر. «كاديما» حديث التأسيس وهو يتألف من تشكيلة سياسية اجتمعت روافدها من أحزاب مختلفة في تكوينها الأيديولوجي ولكنها اتفقت على مجموعة أهداف انتخابية مرحلية. ومثل هذا النوع من الأحزاب لا قيمة تاريخية له سوى أنه مجرد محاولة لتجميع القوى ضمن توازنات فرضتها شروط انتخابية موضعية. وبسبب هذا الخلل البنيوي يرجح أن يتفكك «كاديما» بعد استقالة أولمرت أو على الأقل سيصاب الحزب بحال من «الغيبوبة» تشبه وضع مؤسسه شارون.

هناك إذا تداعيات كثيرة ستشهدها حكومة أولمرت بعد صدور التقرير المرحلي لتحقيق لجنة «فينوغراد». فأولمرت سيغادر موقعه مهما حاول التهرّب من المسئولية وهناك شبه إجماع في «كاديما» يضغط عليه للاستقالة حرصا على سمعة الحزب ومنعا لانهياره الشامل وغيابه عن المسرح السياسي الإسرائيلي. وبيرتس يرجح أن يستقيل من منصبه قبل أن يعقد حزب العمل مؤتمره السنوي في الشهر الجاري، وسيقوم بدوره في المحاسبة وإعادة تقييم التجربة وخصوصا تحالفه الانتهازي مع «كاديما».

يبقى نائب الرئيس شمعون بيريز وتلك المجموعات الحزبية المتخالفة في الحكومة. بيريز العجوز يعتبر تاريخيا من جيل المؤسسين وهو لعب سلسلة أدوار متناقضة في حياته السياسية ونجح مرارا في التلوّن والتكيّف والتهرّب من تحمّل مسئوليات الفشل. وهذا الأمر يبدو أنه نجح فيه بعد أن اجتهد في الابتعاد عن واجهة قيادة المبادرات خلال فترة العدوان على لبنان. وبحكم كونه من المؤسسين للدولة ومن قادة حزب «العمل» السابقين ومشارك في تأسيس «كاديما» ينتظر أن يتولى مسئوليات مؤقتة لانقاذ الحكومة من الانهيار بعد مغادرة أولمرت موقعه. كذلك يرجح أن تستفيد وزيرة الخارجية من الفراغين الحزبي والرسمي لتحتل موقع القيادة في «كاديما» وفي الحكومة إلى جانب بيريز. أما المجموعات المتخالفة في الائتلاف الحكومي فهي تضم تشكيلة من الانتهازيين والفاسدين والمتطرفين والمزايدين وكلهم وجوه لا تعكس ذاك التمثيل السياسي بقدر ما هي مجرد أرقام تحتاج إليها أي حكومة تطمح لكسب غالبية في مقاعد البرلمان.

أبعد من التحقيق

تداعيات تحقيق لجنة «فينوغراد» لن تقتصر على الحكومة وتحالفاتها المتشكلة من مجموعات حزبية، وإنما يرجّح أن تذهب بعيدا في تأثيراتها على مزاج الناخب الإسرائيلي واختياراته السياسية والأيديولوجية. فإعادة هيكلة الحكومة لن ترد على تلك الأسئلة التي طرحتها لجنة التحقيق في تقريرها المرحلي. كذلك إعادة هيكلة الأحزاب وتحالفاتها الفوقية لن تكون كافية للاجابة عن مجموعة نقاط تمس الأمن القومي ومستقبل «الدولة».

الإعادة إذا لن تقتصرعلى المستويين الرسمي والحزبي وإنما يرجح أن تمتد لتضرب في أسئلتها العمق الاستراتيجي للدولة وموقعها ومكانتها وقدراتها مضافا إليها احتمالات التحوّل في التوازن الإقليمي في حال شهدت المنطقة متغيرات دولية غير متوقعة أو محسوبة في الميزان العسكري.

هذه الجوانب الكبيرة تجنب تحقيق «فينوغراد» الرد عليها وتهرب من معالجتها ؛لأنها أساسا تتجاوز حدود المحاسبة الموضعية وصلاحيات اللجنة ومسئولياتها. إلا أن حزب «الليكود» المعارض الذي يعتبر المستفيد الأول من حرب الإخفاقات أخذ يعيد تشكيل نفسه للهجوم المعاكس بعد أن تلقى ضربة قاسية من قائده السابق شارون. فشارون انشق عن حزبه حتى يتجنب المواجهة وتحمل المسئولية التنظيمية. وتهرب من ملاحقة حزبه بإعلان مغادرته وتأسيس حزب بديل يخضع مباشرة لأوامره وتوجيهاته، الا أن مرضه أورث هذا الائتلاف الانتخابي لقيادة تفتقد إلى الحنكة والتجربة ولكنها مطمئنة لتحالفها مع واشنطن ودعم إدارة جورج بوش لها.

هذا الاطمئنان بدأ يهتز الآن لأكثر من سبب. الأول إن إدارة بوش تعاني من ضغوط داخلية فرضتها إخفاقات الحرب على العراق. والثاني إن رئيس «الليكود» بينيامين نتانياهو أخذ يستعد لخوض تجربة سياسية ثانية بعد خروج القيادات التاريخية المنافسة له من الحزب. والثالث أن «الليكود» تجاوز في ملاحظاته النقدية حدود صلاحيات لجنة «فينوغراد» وأخذ يطرح أسئلة نوعية تتصل بالأمور الاستراتيجية ومستقبل الدولة تمهيدا لتجميع الأصوات وتقريب موعد الانتخابات.

واشنطن ترفض حتى الآن التخلّي عن أولمرت. فهي كما يبدو تراهن عليه في أمور سياسية تبدو غائمة في استهدافاتها ولكنها تحتاج إليه لتمرير الوقت في فترة ظهر خلالها الخلاف على أشده بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة. والمضحك في المسألة أن المريض بوش يحاول معالجة أولمرت في مرحلة بات الرئيس الأميركي بحاجة إلى دواء يساعده على الشفاء.

تداعيات كثيرة يتوقع أن تنتج عن تقرير لجنة «فينوغراد» وهي ستشمل إعادة هيكلة الحكومة وأحزاب الأئتلاف وصولا إلى تعديل توازنات انتجتها الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة. إلا أن السؤال الكامن وراء ما بعد الانتهاء من التحقيقات والمحاسبات والتعديلات والتغييرات يبقى يتعلق بالمقصود من كلمة «الإخفاقات». فهذا الجانب المسكوت عنه لم توضح خلفيته اللجنة حتى الآن.

«إسرائيل» أوقعت 1200 ضحية في عدوانها على لبنان وحرقت 30 بلدة وقرية جنوبية واتلفت 64 ألف منزل ودمرت 350 مؤسسة صناعية وإنتاجية وتجارية وشردت ربع مليون إنسان وحطمت أكثر من 76 جسرا رئيسيا وعطلت اقتصاد البلد واستثماراته وطردت الالآف من أرزاقهم وأعمالهم وهجرت نحو 250 ألف خارج بلاد الأرز وجرجرت القوى السياسية إلى حافة الاقتتال الأهلي وكلفت الخزينة خسائر مالية مباشرة تقدر بين 2.8 و4.8 مليارات دولار وغيرها من الكوارث الناجمة عن زرع الألغام وإسقاط مليون قنبلة عنقودية في مناطق الجنوب تمنع الناس من العودة إلى بقايا منازلهم وأرزاقهم.

كل هذا الدمار والتحطيم والحرق الذي أصاب لبنان خلال العدوان الأميركي - الصهيوني في الصيف الماضي أوجزته لجنة التحقيق الإسرائيلية بكلمة «إخفاقات». فإذا كان كل هذا يعتبر «إخفاقات» فما هي إذا معايير «النجاحات» التي تعتمدها اللجنة لتوضيح الجانب الآخر من العدوان؟ عدم تطرق اللجنة إلى تحديد المعايير المقصودة يكشف بوضوح عن مخاطر الايديولوجية الصهيونية في نظرتها للمنطقة وما يتضمنه المشروع الإسرائيلي من سياسة لا تقبل أن تكون النتيجة أقل من الدمار الشامل. «الإخفاقات» تعني نصف دمار ولجنة «فينوغراد» تحاسب أولمرت على النصف الآخر الذي لم يدمّر.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1700 - الأربعاء 02 مايو 2007م الموافق 14 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً