العدد 1698 - الإثنين 30 أبريل 2007م الموافق 12 ربيع الثاني 1428هـ

وليمة عيد العمال

معاذ المشاري muath.almishari [at] alwasatnews.com

لما كانت البحرين تسعى جاهدة لاعتلاء مراتب الصدارة في مجالات التنمية البشرية والقدرة التنافسية والحريات الاقتصادية، فهي الأولى بين دول الخليج التي جعلت من المرأة وزيرة ونائبة وقاضية دستورية، وهي الأولى في تصنيفات متعددة تسعى من خلالها للتعتيم على ملفات وطنية كبرى يعتبر الحديث عنها بمثابة الخيانة العظمى للوطن، وأية مناداة للمطالبة بالمكاشفة والشفافية فإنها تصب في خانة الخروج عن المسلك الوطني الصحيح وتصنف ضمن حالات الارتماء في أحضان المضطهدين والمعذَبين دستوريا.

وفي هذا السياق، فقد التزمت الدولة بالاحتفال سنويا بيوم العمال في الأول من مايو/ أيار ليتم تكريم العمال في هذا اليوم وتداس أكبادهم في بقية أيام السنة، ففي تلك الاحتفالية الصاخبة يصرح مندوب الحكومة بأن العمالة هي أساس التنمية وأن الدولة تبذل الجهود المتواصلة لتحسين أوضاع العاملين، وما هذا الاحتفال إلا دليل ساطع على التزام الحكومة بجميع التشريعات والاتفاقات المحلية والدولية المتعلقة بوضع العمالة وتحسين ظروف العمل، وتأتي بعد ذلك تصريحات وخطب رنانة مطالبة العمال بالوحدة والصمود وأن وأن...، ويختتم ذلك الحفل ببوفيه فاخر يمتص حماس العمال ويضيف بريستيجا برجوازيا وترفا نقابيا لم يكن له وجود في مسيرة الحركة العمالية في البحرين، فعرق الجبين الممزوج برائحة الكفاح والصبر تحول إلى عطور وبخور ومسرحية نتبادل فيها التهاني والتبريكات، وندغدغ خدود الحكومة بريش نعام قد وضع في مصحف قديم، فكلما انتشرت البشوت ازداد تقدير الحكومة لتلك التوجهات النقابية «المتزنة»، وكلما تكرر الصراخ وقل العمل وضع المتنفذون أرجلهم في ماء بارد، وقامت الشركات بضرب النقابات بعد اختراقها، ويبقى العامل بلا حول ولا قوة، تائها حيران بين نار صاحب العمل وجحيم نقابة لا مصلحة لها في حمايته، فعملية التوازن بين المبادئ والمصالح قد حرمت الشريحة الصامتة من العاملين الكثير من حقوقهم، وأبقت على آمالهم تترنح بين الحلم والواقع، تلك العملية التي تحتوي نفور المحرومين من جميع الطوائف بقطرات باردة تصب فوق الرؤوس فيتبخر الألم.

وبعد ذلك المهرجان، ولكي يحافظ العامل البحريني على رشاقته الوراثية، فلابد من هضم ذلك الطعام الدسم، وتخليص جسمه من لحوم ودهون فندقية لذيذة، فلا يجوز للعامل أن يبدو سمينا، فتلك من علامات الفتور وقلة الإنتاج، ومؤشر على ارتفاع دخله ومستواه المعيشي، ولذلك فمن الصواب أن تعقد مسيرة أو ماراثون للمشي والخطابة وتخفيف الوزن في اليوم نفسه بعد نزول الشمس إلى مستوى لا تتبخر معه رائحة العود والبخور، وحبذا لو كان هناك أكثر من شعار بألوان زاهية متعددة للتعبير عن الوحدة العمالية، فرايات صفراء وأخرى حمراء شبيهة بلقاء قطبي الكرة البحرينية المحرق والأهلي، فيعلو صوت هنا ليكون هدفا سياسيا، فيرد الطرف الآخر بصوت مغلف بعبارات النزاهة فيتحقق هدف التعادل، وتستمر المباراة من دون فوز أحد الفريقين، أو حتى تدخل نقيب القوم لفرض الزي الخاص بالمنتخب الوطني النقابي، وبعد ذلك نتحاشى الحديث عن مستوى المباراة، ونتهم الحكم بعدم الحياد، فتضيع آمال العاملين بإنشاء بنك للعمال... مستشفى للعمال... سوق تحارب الاحتكار والجشع، ونكتفي بالمفاوضات مع النفس، وينتهي ذلك الحلم بوليمة يفترسها الجميع، ويتنازعون بينهم كؤوس العجز والمسايرة.

إقرأ أيضا لـ "معاذ المشاري"

العدد 1698 - الإثنين 30 أبريل 2007م الموافق 12 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً