العدد 1698 - الإثنين 30 أبريل 2007م الموافق 12 ربيع الثاني 1428هـ

جدار في بغداد وجدار في «إسرائيل»... هل من فرق بينهما؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

المتتبع للجدل الدائر حول جدار الأعظمية في بغداد يصاب بالذهول من المواقف الغربية لحكام العراق الذين يقولون إنهم منتخبون ديمقراطيا وبالتالي فهم - كما يزعمون - يمثلون غالبية الشعب العراقي، فإذا كان الأمر كما يقولون فما بال هذا الجدار يبنى من دون علم بعضهم، وما بال البعض يرفضه والبعض يعلل وجوده بعلل واهية، وما بال الأميركان لا يأبهون بكل ما يقوله الحكام المنتخبون بحسب ديمقراطيتهم ويواصلون العمل بهذا الجدار بل ويقولون إن هناك جدرا أخرى في الطريق؟ أفهم أن المحتل له أهداف يريد تحقيقها، وأفهم أنه بذل أموالا طائلة في هذا السبيل، كما بذل أنفسا كثيرة للوصول إلى أحلامه، وهو من أجل ذلك كله - سيفعل كل شيء للوصول إلى هدفه ولن يهمه مطلقا أبناء البلد الذي يحتله، حتى وإن مات مئات الآلاف، حتى وإن هجر ملايين الناس، حتى - وهذا ليس آخر المطاف - وإن سجن الشعب كله في كانتونات هنا أو هناك.

لكن السؤال المؤلم: ما هي مصلحة الشعب العراقي في كل ما يجري له؟ ثم أين هي الحكومة المنتخبة إزاء كل ما يحدث؟!

المالكي أعلن أنه لم يقبل بهذا الجدار وسيطالب بإيقاف العمل فيه، والطالباني - هو الآخر - أعلن عن عدم رضاه وعن معارضته للاستمرار فيه، فإذا كان رئيس الدولة ورئيس وزرائها يعارضانه فمن يملك حق الاستمرار في بنائه على رغم إرادتهما؟!

الناطق باسم الخطة الأمنية السيد قاسم الموسوي أطلق آراء مضحكة في محاولته لتبرير هذا الجدار وما قد يستجد من جدر أخرى، قال - لافض فوه -: إن هذا النظام معمول به في الكثير من دول العالم ويسمى بالجدار الأمني، كما في الصين والبرازيل والإمارات والسعودية وأميركا... المؤكد أن سيادته لم يزر أي دولة من الدول التي ذكرها وإلا لما قال مثل هذا الكلام أو ربما أن سيادته قال ما قاله على غرار أن حكومته التي يعترض على قادتها منتخبة ديمقراطيا!

أين الجدر العازلة في السعودية؟ وأينها في الإمارات، بل وفي كل دولة ذكرها؟ إذا كان يقصد بعض الخرسانات التي توضع حول المباني ففرق هائل بينها وبين جدار يسجن أحياء بأكملها توضع عليه بوابة للخروج وأخرى للدخول كما في الأعظمية وكما سيفعل في غيرها!

الأميركان وقبلهم الناطق باسم اللجنة الأمنية يقولون إنهم عملوا هذا الجدار لكي يحمي السنة من الشيعة لأن حي الأعظمية محاط بأحياء شيعية، وزاد بعضهم أن الأهالي هم من طالب بعمل هذا الجدار!.

إذا كان الأهالي الذين عمل الجدار من أجلهم - كما يقولون - هم أول من استنكر هذا العمل واحتجوا عليه، ورفعوا لافتات كتبوا عليها: أهالي الأعظمية يرفضون جدار العزل، وسواها من الشعارات التي تعارض هذا الجدار أقول: هل الأميركان والسيد الموسوي أرحم بأهل الأعظمية من أنفسهم؟! السنة والشيعة - على حد سواء - استهجنوا هذا العمل وطالبوا بإيقافه فإذا كان من أجلهم كل هذا العمل وهم يرفضونه فلماذا يصرون عليه؟! أليس من الواضح أنه يعمل لشيء آخر؟!

السيد الموسوي يبشرنا أيضا بأن هناك سواتر ترابية وخنادق وأسلاكا شائكة وكلها قادمة في الطريق، وهناك حراس سيراقبون من يدخل ومن يخرج من خلال تلك الحواجز. وهذه أيضا - كما يقول - لمصلحة المواطنين ومعمول بها في الدول التي ذكرها!.

على أية حال هذا الجدار ليس الأول من نوعه في العراق فهناك المنطقة الخضراء وهي محمية بكل أنواع الجدر والحراسات، فهل حمتها كل تلك الدفاعات من الهجوم المتكرر عليها؟! ألم تقصف بالصواريخ بحضور الأمين العام للأمم المتحدة؟ ألم يفجر البرلمان العراقي وهو يتوسط هذه المنطقة التي يحرسها الأميركان؟ ماذا فعلت هذه الجدر في حماية أهم الأماكن العراقية؟ وبالتالي فهل وضع سكان الأعظمية في سجن كبير أو وضع سواهم في سجن مماثل سيحميهم من الاعتداءات؟ ملايين العراقيين هجروا داخليا وخارجيا، والفقر يغتال الباقين، فلا كهرباء ولا ماء ولا أمن في كثير من الأماكن، فأين الديمقراطية الموعودة، والعراق دولة واسعة الغنى؟ لماذا يتحدث الأميركان والحكومة العراقية عن مساعدة اللاجئين في الخارج؟ لماذا تتحدث أميركا عن استقبال الآلاف منهم كل عام؟ أليس من حق هؤلاء جميعا أن يعودوا إلى وطنهم المحرر الديمقراطي؟

وبالمناسبة فإن بناء الجدر تقليد يفعله المستعمرون لإذلال الشعوب واستعبادهم والتفريق بين أبنائها وإضعاف اقتصادها، كل ذلك بغية تحقيق أهدافهم في البلد المستعمر. أمامنا الآن جدار الفصل العنصري في «إسرائيل» الذي استنكرته كل دول العالم - عدا أميركا طبعا - كما أن المحكمة الدولية استنكرته كذلك وبقيت «إسرائيل» تفعل ما تريد لأن الأميركان معها ولأن الأهداف واحدة! أميركا دولة مستعمرة ومثلها «إسرائيل» والكل يفعل الشيء نفسه في الدولة التي يحتلها، سواء مسألة التهجير القسري أو إذلال الشعب المستعمر، أو بناء الجدر هنا أو هناك، أو كل الوسائل من قتل وتدمير وحصار بغية الوصول إلى أهدافهم...

الأميركان يؤكدون أن كل مشكلات العراق وكل التدمير الذي يجري هناك سببه العراقيون - الصداميون والقاعدة - كما يقولون، أما هم فهم بريئون من كل ما يحدث هناك، وهم يحملون أهدافا سامية جاءوا لتحقيقها ولكن برابرة العراق يقفون ضد تحقيق هذه الأهداف!.

أما الصهاينة فهم أيضا يدافعون عن أنفسهم، وهم ضحايا الاعتداءات الإرهابية من «حماس» وسواها!

قبل بضعة أيام قتلوا تسعة أشخاص مع أن كل الفصائل الفلسطينية ملتزمة بالتهدئة وعندما أطلق الفلسطينيون بضعة صواريخ على الأراضي الفلسطينية المحتلة ثارت ثائرة الصهاينة وتناسوا جريمتهم التي لم تجف دماء من قتلوهم خلالها وأعلنوا أنهم سيدافعون عن أنفسهم لأنهم مظلومون من أولئك الإرهابيين!

مرة أخرى... المستعمر هو المستعمر في كل مكان، وفي كل زمان، ووسائله وأهدافه متشابهة، ومصالحه هي الأهم وما عداها فلا قيمة له!

جدار الأعظمية والجدر القادمة لا تختلف في شيء عن الجدر الصهيونية، أما تبرير الموسوي عن الجدر المشابهة التي ذكرها فأعتقد أنه أول من يعرف قيمة كلامه عند كل من سمعه!.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1698 - الإثنين 30 أبريل 2007م الموافق 12 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً