كلما فكر النواب في التقدم باقتراح بقانون أو برغبة في إصلاح حال المتقاعدين وفسح مجال لإحلال العاطلين مكانهم من الذين يصدون أبواب هيئتي التأمينات والتقاعد رافضين الدخول فيها مستمرين في مقاعدهم سيواجهون بفتاوى الخبير الاكتواري المنذرة بالإفلاس والوشيك للهيئتين واستغاثتهما بالحكومة وبتحذيرات مسئولي صندوق التقاعد من تطبيق التقاعد المبكر الاختياري لمن بلغ 55 عاما وأكثر، وتأثير ذلك بحسب دعوى الهيئة إلى الإخلال بالمركز المالي للهيئة والتشريع بنفاد الاحتياطات في سنوات معدودات قد لا تصل إلى عقد من الزمان. الا أن ذلك يحتاج لوقفة، فمع ثقتنا بأرقام الهيئة العامة لصندوق التقاعد والتي تشير إلى بلوغ ما يقرب من 20 في المئة من إجمالي عدد المتقاعدين ممن يحق لهم التقاعد المبكر الاختياري، وقد تقفز النسبة إلى أكثر من 65 في المئة من متوسط إجمالي عدد المتقاعدين حال استفادة 50 في المئة من عدد المؤمن عليهم والتي تصل أعمارهم إلى 50 عاما ويصل عددهم إلى أكثر من 8000 موظف يشمل الجنسين الرجل والمرأة. وصيحات الهيئة العامة للتأمينات من بقاء الاشتراكات بنسبة 15 في المئة على حالها سيعجل بإفلاسها.

ومع صحة الأرقام إلا أن هناك تغييبا لمن هم فوق سن الستين من الجنسين وهم متمسكون بمقاعدهم في القطاع العام والخاص والهيئتان تقتطع اشتراكهم ولم تسع الهيئتان بالتعاون مع الحكومة لتشجيعهم على التقاعد الطبيعي لفتح المجال أمام العناصر الشابة لتأخذ مكانها في التنمية، وإذا ما عرفنا أن هناك أكثر من 1200 جامعي مؤهل عاطلون عن العمل أكثرهم من الإناث، وتسعى الدولة لدفع بدل التعطل لهم، فكم ذلك سيكلف موازنة الدولة؟ وإذا كانت الهيئة العامة للتقاعد قد أسقطت في الفصل التشريعي الأول جميع الاقتراحات الداعية إلى تقاعد الموظف اختيارا عند بلوغه سن الخمسين وخفض سن التقاعد بمقدار 5 سنوات، فإنها من باب أولى تدعو لإزاحة الموظفين البالغين من العمر عتيا من مقاعدهم التي يتمسكون بها كأرث مطلق قبالة أبنائهم العاطلين وبناتهم العاطلات خصوصا الذين سيدخلون الهيئة مجددا.

وإن ادعت الهيئتان أن مثل هذه المقترحات تسبب خسارة لهما، فإن الرقابة المالية عليهما تطالبهما بمبررات الترف والإسراف الكبير على مكافآت موظفيها، وبما أسقطتهما من حقوق المتقاعدين على شركات بغير وجه حق، وبآلية استثمار أموال المتقاعدين فيها وتعثرها في ذلك، كما أن إدخال اشتراكات أكثر من 1200 موظف شاب في الهيئتين إذا ما وجدت لهم وظائف في القطاع العام والخاص سينعش الهيئة وسيحقق ضمانا اجتماعيا للعاملين ومردودا ماليا للهيئة. اضافة لما تمت الموافقة عليه من مد مظلة التأمين على الأجانب والبحرينيين العاطلين خارج البحرين.

وإن تعذر تطبيق خفض سن التقاعد الاختياري للرجل فليس هناك من مبرر على المرأة بذلك، وخصوصا أن للنساء ظروفهن الحياتية والمعاشية التي تختلف عن الرجل، كما أن الإناث يشكلن 95 في المئة من طابور المؤهلين العاطلين وكثير من النساء إما بلغن من السن عتيا في الوظيفة، أو يطمعن في تحسين أوضاعهن المعاشية والتقاعدية ليشعرن بدورهن في أعمال البيت وحضانة ورعاية ابنائهن وأحفادهن، وإن كان هناك توجه لتصحيح أوضاع الهيئة فيجب الا ننسى أوضاع شرائح المؤمن عليهم فيها، فالمتقاعدين الدين أسسوا رأس مال الهيئة، وخرجوا منها يعانون من الديون التي تطالبهم بها الهيئة نظير استبدال معاشاتهم وحقوقهم التقاعدية بفوائدها التي لا تخلو من شبهة شرعية، كما يعانون من عدم رفع الزيادة السنوية في المعاش التقاعدي. أما من هم تحت مظلة هيئة التأمينات الاجتماعية فيعيشون الأمرين، مرارة ضعف الراتب التقاعدي للغالبية منهم وحرمانهم من أية زيادة تقاعدية، ولو سعى النواب لتحسين أوضاعهم لكشرت الهيئتان عن أنيابهما، ودلعت لسانها بألف حجة وحجة لإقناع الحكومة ببطلان كل مقترح برغبة أو بقانون يدعو إلى تحسين أوضاع المتقاعدين في القطاع الخاص والعام. وحين رغبت الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية في زيادة اشتراكاتها على المؤمن عليهم فلم تحتاج إلى المزيد من الوقت لإقناع الحكومة.

وقد لا نختلف معها في ذلك لأنه يتوافق مع توجهات بعض الدول، وقد تدعو كذلك إلى رفع سن التقاعد كأحد الحلول الإصلاحية لأوضاعها المالية وينسجم ذلك مع ما تدعو إليه منظمة الضمان الاجتماعي الدولية، ولكن لكل مجتمع خصوصياته ولكل دولة ظروفها، وان المرأة لدينا في حاجة إلى دعم من جهتين جهة الحصول على وظيفة تناسبها، وتقاعد مبكر يدفعها إلى أداء أدوارها الأسرية والاجتماعية بعد ان أعطت من زهرة شبابها وكهولتها ما قوى أساس الهيئتين (التقاعد والتأمينات) أفلا تستحق رد جميلها بالإفساح المجال لها بالتقاعد المبكر الاختياري، وإحلال بناتها وحفيداتها مكانها ليؤدين أدوارهن بنشاط وحماس؟