العدد 1698 - الإثنين 30 أبريل 2007م الموافق 12 ربيع الثاني 1428هـ

في خطى محمد (ص)

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

يحتفل المسلمون في أنحاء العالم كافة كل عام بذكرى ميلاد النبي محمد (ص)، على رغم أنه لم تكن هناك تعليمات من قبل الرسول بعمل ذلك. ويتم خلال الاحتفالات سرد مسيرة حياته ويجري ترتيل آيات تمتدحه في كل مكان. وهنا يبرز سؤال: إلى أي مدى تجسّد الأمة وأتباع الدين الإسلامي تعاليم النبي الكريم؟

من المخيب للآمال أن نرى معظم أفراد الأمة منغمسين في ممارسات دينية رسمية أو خارجية على حساب تقدير النواحي المهمة. ويبدو أن الكثيرين يقومون بذكر اسم الرسول الكريم من دون أن يحاولوا فهم القيم التي عاش النبي محمد من أجلها. وهم يشعرون بالتقوى من خلال تطبيقهم لما يفهمونه باعتباره قيما إسلامية في مجتمع متنوع، على رغم أن الأساليب المستخدمة تتعارض مع قيم الإسلام ومبادئه.

يجب النظر إلى الاحتفال بذكرى المولد النبوي، في هذا الضوء باعتباره تحديا من قبل المسلمين لإدراك وتبني الأخلاقيات التي اتبعها الرسول الكريم طوال حياته، والأهم من ذلك استيعاب هذه الأخلاقيات وتحقيقها.

كان النبي محمد (ص) مثالا حيا على القدرة على نشر السلام في كل تعامل اجتماعي والتعايش بتناغم مع أعضاء المجموعات الدينية أو العرقية المختلفة ومع رعايا الأمم الأخرى. يجب أن تشجع الأمة هذه القيم لتعمل كسفراء للسلام وأنصار للقانون والعدل، وأن تستأصل بهمة ونشاط الأمراض الاجتماعية. وتستطيع هذه الأخلاقيات التي أضفت عليها سابقة الوعي التاريخية والعمل الناشط في الإسلام صفة القانونية ورفعتها عاليا، تستطيع أن تمكّن الأمة من أن تختلط بصورة أفضل مع بقية المجتمع وأن تضفي عليها هوية أيديولوجية متسامحة تحمي، بشكل إضافي، سمعة الأمة من وصمة مساندتها الواسعة للتطرف والإرهاب.

يؤكد كذلك أحد علماء الدين الإسلامي الإندونيسيين الذي يتمتع باحترام واسع، وهو كونتوويجويو في كتبه: «النموذج الإسلامي: تفسير من أجل العمل» (1991) و «الهوية السياسية المسلمة» (1997) على الوعي التاريخي والعمل الناشط في حياة الأمة، خصوصا عند بحثه موضوع أخلاقيات النبي (ص) وقضية المدى الذي يمكن للمؤمن أن يصل إليه على طريق النبي محمد (ص). ما هو إذا نموذج النبي وكيف يمكن تطبيقه على الأمة؟

يركز كونتوويجويو نظريته على آية قرآنية كريمة (سورة آل عمران، آية 110) إذ تعني الأخلاقيات النبوية أو المحمدية: «الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله تعالى». العناصر الثلاثة لأخلاقيات النبي (ص) حسبما وردت في هذا النص لها أهمية اجتماعية ذات معنى.

ما هو صحيح في حياتنا اليومية يمكن ترجمته كأي شيء في عمل خاص جدا، كتلاوة أو صلاة أو مديح أو ذكر الله تعالى على سبيل المثال، أو عمل شبه اجتماعي كاحترام كبار السن والتعامل مع الآخرين بشكل أخوي أو مساعدة الأيتام، وأخيرا كعمل جماعي كالعمل على إنجاح حكومة غير فاسدة أو بناء نظام أمن اجتماعي.

ويعمم كونتوويجويو هذه الناحية بإنسانية وتحررية. ويمكن للتقوى، في مضمون قائم حاليا، أن تُفهم كسلوك إنساني في مضمون ثقافي أو اجتماعي، كتطور اقتصادي وبلوغ سن الرشد السياسي. ويمكن إدراك النهي عن المنكر في المضمون الإسلامي من خلال منع استخدام المخدرات على سبيل المثال أو عدم تشجيع الثأر أو استئصال القمار أو منع الربا أو الدفاع عن العمال الأقل حظا أو محاربة الغزاة.

ويشبّه كونتوويجويو هذا المبدأ بالتحرر الذي يمكن أن يؤثر على الحياة السياسية بالإضافة إلى الأمور الاجتماعية والاقتصادية. ويعتبر الإيمان بالله وحبّه، في هذه الأثناء، مضمونا له بعد عمودي يربطه كونتوويجويو بالتسامي. في عالم يتوجه بسرعة نحو الماديّة والعلمانية، أصبح موقع التسامي ذا أهمية متزايدة. بمعنى آخر تسعى أخلاقيات النبي الكريم إلى غرس الوعي الروحاني في الحياة اليومية بل والسياسة أيضا.

وينتج عن تطبيق النواحي الثلاث للأخلاقيات المحمدية في الحياة المجتمعية أمة متحررة انغرست فيها روح الإنسانية المرتكزة على مبدأ التسامي. إذا نجح المسلمون في استيعاب هذه الأخلاقيات وتحقيقها فستتحرر حياتنا سواء كانت أمة أو مجتمعا أو دولة، بغض النظر عما إذا كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، من أمراض مثل الجريمة والفساد التي تعرّض صحة المجتمع إلى الخلل. ويعتبر استحضار ذكريات النبي في ذكرى مولده ممارسة غير كاملة ما لم تتم من خلال محاولة للتعلم من كفاح النبي محمد (ص) لإيجاد مجتمع عادل يعمّه السلام. وحتى يتسنى لها أن تحقق ذلك يجب على الأمة أن تشارك في القضايا العامة بتعاطف وليس بتهكُّم أو تقوى زائفة، وليس باستخدام القوة والفوضى والإرهاب.

* طالب دراسات عليا بجامعة نيجيري جاكرتا بإندونيسيا،

والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند».

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1698 - الإثنين 30 أبريل 2007م الموافق 12 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً