جاءت جولات المباحثات الأربع بين أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني والمنسق الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا الأربعاء الماضي في العاصمة التركية أنقرة لتعيد الحديث من جديد عن مصير الملف النووي الإيراني وإلى أي مدى سيصل سواء في أروقة الأمم المتحدة التي صدّرت ولغاية الآن قرارين دوليين بشأنه، أم في مسيرة المباحثات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وطهران، التي تعثّرت منذ شهرين في مدينة ميونيخ.
وعلى رغم أن المباحثات الأخيرة قد عُقدت خلف الأبواب المغلقة بفندق سويسرا التركي واقتصرت فقط على وفد الاتحاد الأوروبي المفاوض والوفد الإيراني المُكوّن من مساعد وزير الخارجية عباس عراقجي ومساعد لاريجاني في الشئون الدولية جواد وعيدي ومساعد رئيس مؤسسة الطاقة الذرية للشئون الدولية محمد سعيدي وهم صقور البرنامج النووي الإيراني، إلاّ أن معطيات هذه المباحثات وطبيعتها قد تكون أكثر عملية وإيجابية من سابقتها بعد تصريح سولانا بأنه جاء إلى أنقرة «بموقف بناء» وما قاله أيضا علي لاريجاني للصحافيين من أنه قد تلقّى أفكارا «جذابة للغاية» على رغم ما أعلنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية محمد علي حسيني بأن «المحادثات بين لاريجاني وسولانا تجري من دون أية شروط مسبقة ومن أجل تسوية الملف النووي الإيراني» وبالتالي فإن المواءمة ما بين الدفع الأورأميركي باتجاه العقوبات خلال المرحلة المنصرفة وما بين إعلان طهران رفضها الشروط المسبقة من جهة وما جرى الأسبوع الماضي بين سولانا ولاريجاني من مباحثات وُصِفت بالإيجابية يحتاج إلى تبيين وقراءة، وخصوصا أن الأمر يعني وجود حلقة طارئة غير مرئية، ربما تتعلق بضرورة حماية نظام المصالح القائمة والمعقّدة بين الطرفين والوصول على نقاط مشتركة فيما بينهما، وخصوصا أن الاتحاد الأوروبي قد بدأ في استراتيجية «المسار المزدوج» الذي يوازن بين العقوبات والمزايا التجارية والانتصار إلى الأخيرة عبر رفع السقف فيها، مع الإشارة هنا إلى أن سلسلة الإعلانات الإيرانية عن حصول تقدم نوعي في عمليات التخصيب لديها كانت تهدف إلى تقوية الموقف التفاوضي لطهران، وفي مقدمتها الإعلان الأخير عن وصول مستوى التخصيب الصناعي على يد الخبراء الإيرانيين إلى نسبة واحد وعشرين في المئة، أي بزيادة تفوق السابعة عشر في المئة في مفاعلي نطنز وأراك.
الشيء اللافت الذي تزامن مع لقاء سولانا - لاريجاني هو ما أعلنه الرئيس الأميركي جورج بوش من أن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس قد تجري محادثات ثنائية مع نظيرها الإيراني منوشهر متقي خلال مؤتمر شرم الشيخ الذي يُعقد بعد أيام لمناقشة أوضاع العراق والمنطقة (إذا ما حضرت طهران طبعا) وأنه سيدرس بجدية إمكان عقد لقاء ثنائي مع الإيرانيين بشأن المسألة النووية، ثم ما أعلنته رايس من أن بلادها مُستعدة لـ «قلب سياستها المستمرة منذ سبع وعشرين عاما» والتفاوض مع إيران، وكذلك ما قاله عضو مجلس النواب الأميركي ورئيس اللجنة القانونية جون كونييرز، من أن فتح حوار مباشر مع إيران وإقامة علاقات دبلوماسية معها يعتبر تطورا إيجابيا جدا، وعلى رغم أن هذه اللهجة الأميركية الجديدة قد تكون طُعما لإيران لحثّها على المشاركة في مؤتمر شرم الشيخ بعد أيام؛ فإن هذا الموقف الأميركي الجديد قد يكون تمهيدا لسياسة أميركية ستعقب نتائج المؤتمر بالنسبة إلى العراق وللمنطقة بعد رفض طهران للطلب الأميركي المماثل في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وإذا ما حصل ذلك فعلا فإنه سيعني ضمن أحد مُحدداته الاستغناء عن الدور الأوروبي ولو بشكل مؤقّت فيما يتعلق بإدارة الأزمة النووية مع إيران، وبالتالي فإن ذلك قد يدفع بالأوروبيين أنفسهم لإيجاد صيغة أخرى بينهم وبين الإيرانيين عبر طريق التفافي لتسوية الموضوع قبل أن يتلقفه الأميركيون بتسوية أحادية ضمن إطار العلاقات الثنائية بينهم وبين الإيرانيين، بغرض نفض الغبار عن قضايا المنطقة الحسّاسة كملف القضية الفلسطينية والملف اللبناني ومسائل الطاقة في الخليج وجنوب شرق القارة القديمة وحتى بحر الخزر.
أحد السيناريوهات المطروحة الآن هي أنه إذا ما رأى الإيرانيون أن سياستهم بالدفع نحو تكريس حضورهم ما قبل السلاح غير التقليدي وما هو أعلى من نسبة التخصيب الصناعي المُعلنة لليورانيوم قد تساهم في رفع السقف بالنسبة إليهم في المفاوضات مع الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية فإن حكومة الرئيس أحمدي نجاد قد تلجأ وقبل موعد الانتخابات التشريعية في فبراير/ شباط القادم إلى تجاهل القرارات الدولية وأهمها القرارين الأخيرين والإعلان عن دخول إيران إلى النادي النووي بشكل كامل عبر حصولها على نسبة تخصيب صناعي تتجاوز التسعين في المئة وتأكيد قدرتها على التخصيب الصناعي في الداخل وبالتالي تجاوزها نقطة اللاعودة.
السيناريو الآخر الذي قد تلجأ إليه طهران هو القبول بنقطة توقف «حذرة» لا تقبل التراجع إلى الخلف وتكون مرتبطة بنواح أخرى لها علاقة بمستقبل «إيران نووية» في المنطقة، كالتعليق الجزئي لتخصيب اليورانيوم الصناعي ثم الانتقال في بحر سنة أو أقل إلى تقديم تعريف جديد للتخصيب والإبقاء على أجزاء مهمّة من تلك البرامج، كبديل عن التعليق الشامل، وقد يكون أحد المخارج التقنية والسياسية للموضوع هو تعليق إنتاج وقود اليورانيوم مع استثناء بناء أو تجربة أجهزة الطرد المركزي، وهو الخبر الذي سرّبته وكالة الآسوشيتد برس من العاصمة التركية نقلا عن مسئولين غربيين كانوا يُواكبون مباحثات سولانا - لاريجاني .
في كل الأحوال فإن عودة المفاوضات من جديد مع وجود سلّة امتيازات أخرى سيعني أحد أمرين، إما أن تكون تمهيدا لحل الموضوع برمّته عبر الوصول إلى نقطة نظام بين الطرفين، أو أنها ستطيل من أمد التفاوض الذي دائما ما تكون طهران مستفيدة منه، الأمر الذي يعني تمييع الفترة المتبقية من القرار الأممي الأخير، ورهنها بالتطورات المحيطة بأطراف المركز.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 1697 - الأحد 29 أبريل 2007م الموافق 11 ربيع الثاني 1428هـ