العدد 1697 - الأحد 29 أبريل 2007م الموافق 11 ربيع الثاني 1428هـ

علماء الدين هل قرروا مواجهة الإيدز؟

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

سأواصل حلقاتي في موضوعي السابق «النظرة الاجتماعية للمتدينين (الصراع نموذجا)»، لكن حدث الأسبوع الماضي لفت نظري، فأملت قلمي نحوه.

ستون شخصية علمائية من الطائفتين الشيعية والسنية، وأربعون من السيدات الداعيات المسلمات من الطائفتين الكريمتين، تجتمع تحت سقف نظمه البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بمملكة البحرين منتصف الأسبوع الماضي.

الهدف نبيل ومشترك وهو حماية الإنسان من مرض الإيدز الذي ينتشر في سكوت وصمت رهيبين رسميا واجتماعيا، إذا تتحدث الأرقام عن تجاوزه أكثر من (1000) حالة مسجلة رسميا، أما الارقام غير الرسمية فتشير إلى تجاوزه (10000) حالة في المملكة العربية السعودية، أما في البحرين فالرقم الرسمي هو 265 شخصا نصفهم قد توفي بهذا المرض.

البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة يعترف أن القيادات الدينية يمكنها فعل الكثير للحد من انتشار هذا المرض القاتل، ولذلك يندفع لدعوتها في ورش عمل جادة وزاخرة بالمعلومات ومفعمة بحب الخير للإنسان، وقد كان اللقاء الأخير بهم قبل ستة أشهر في القاهرة.

تعرض في هذه الورش والمؤتمرات قضايا كثيرة ترتبط بمرض الإيدز، كما تعرض بوضوح قضايا التثقيف الجنسي، أو الحماية من الأمراض الجنسية الناتجة عن أي علاقة كانت، أو ما يسمونه الجنس الآمن، وتتحدث مثل هذه الأطروحات في جانب منها عن طرق الوقاية من الإصابة بمرض الايدز بسبب المعاشرة الجنسية.

تسعى هذه الورش لنشر ثقافة الجنس الأمن للإنسان من دون النظر إلى أي أمر آخر ديني أو اجتماعي، وهنا تأتي بعض نقاط التفارق، أو التوقف مع العلماء والدعاة، إذ سيكون هؤلاء العلماء أمام مسارات ربما لا التقاء بينها، فهم سيرفضون بطبيعة عملهم أن يشاركوا في مثل هذا البرنامج، وهذا النوع من الحث والتوجيه على ممارسة الجنس الآمن، لأن هذا في رأيهم نوع من تشريع التعاطي المفتوح مع هذه القضية، ولأنهم يرون أن الطريق الآمن قد حددته الشريعة الإسلامية وربطته بالزواج الشرعي، وليس العلاقات الجنسية المفتوحة.

الطريق بحسب هذا التصور هو دفع الناس إلى الزواج ورفض ما عداه، وتأكيد قيم الدين باعتبارها طريق السعادة والسبيل الوحيد للبعد عن الآلام النفسية والجسدية التي تترتب على الانحراف والانجرار وراء الطرق المحرمة.

ويمكن الاسترسال في هذا التصور بالقول: إن اندفاع العلماء وراء الحديث عن الطرق الآمنة لممارسة الجنس وتثقيف المجتمع بالأطروحات المقدمة أو الصادرة من جهات لا تعتني تماما بالخلفية الإسلامية للمجتمعات الدينية، تحت عنوان صحة الإنسان وحمايته، سيضطر العلماء والدعاة كذلك إلى الحديث عن أمور أخرى لا يرتضونها تحت المبرر نفسه والعنوان ذاته (كنشر الثقافة الآمنة في تعاطي الخمور) والعياذ بالله، كأن لا يشربه وهو مقدم على قيادة السيارة أو ذاهب للعمل، وألا يتعاطاه بكمية كبيرة، وهكذا سيكون الحبل على الجرار في مختلف أنواع الشطط والضياع التي ارتضاها الإنسان لنفسه ظلما وعصيانا، فكيف يطلب من العلماء نشر هذا النوع من الثقافة والتوجيه لمجتمعات أو أشخاص يمتلكون الجرأة والجسارة على رمي أنفسهم في طاحونة الشهوات والغرائز من دون رعاية لأي رادع أو قانون؟

أعتقد أن عدم قناعة العلماء والدعاة بهذا المسار هو أحد أهم الأسباب التي أطفأت بريق هذه الورش والمؤتمرات بمجرد خروج ضيوفها من قاعاتها وانشغالهم بأعمالهم اليومية والاجتماعية، هذا كما أعتقد هو المصير الذي وصل إليه اللقاء المتكرر بهؤلاء العلماء الأفاضل في القاهرة والذي انعقد بإشراف الجهة نفسها.

هناك مسار آخر لاحظته في تمتمات بعض من حضر من علماء ودعاة في مؤتمر القاهرة الآنف الذكر أو مؤتمر البحرين الذي أنهى ورشة عمله الأسبوع الماضي في المنامة، وخلاصته أن الأمر ليس بهذه المفاصلة التي بُرّزت في بدايات المقال، فنحن كدعاة (والقول لهم) Error! Bookmark not defined. يجب أن نجتهد من أجل تطبيق قيم الدين وإعلاء رايته، وتمكينه من نفوس الناس وتحكيمه على جميع سلوكياتهم وتصرفاتهم.

لكن الإنسان بما هو إنسان عصى أو لم يعص أخطأ أو لم يخطئ هو صلب اهتمامنا، ولو أردنا أن لا نوليه أي اهتمام لأنه عاصي فاسق منحرف إلى آخره، فإننا إن لم نوجهه إنسانيا فقد يؤذي غيره، قد يؤذي زوجته وينقل المرض لأي نسل من صلبه فيتضرر أولاده، وهنا نكون أمام خطر لا يرتبط بشخص المذنب أو المتجاوز للقيم الدينية بل يسري ويمتد إلى سواه من الناس.

إن الأمر كما لو رأينا شابا يقود سيارته وسط الأحياء الصغيرة بحركات بهلوانية خطرة، إن الواجب علينا أن نمحضه النصيحة بترك هذه الحركات التي تؤذيه وتقلق من حوله، لأنها خلاف الأخلاق والمروءة، لكن حين يرفض ترك هذه الحركات فمن المهم ألا نتردد في الطلب منه أن يمارسها خارج الأحياء وفي الساحات الآمنة.

وإذا كان هذا مقبولا ومتعارفا عليه بين الناس، فليكن الأمر على هذا النحو أيضا في موضوع الإيدز.

يقول هؤلاء: إن سلامة المبلغ أو الداعية اجتماعيا هو أن يبعد نفسه عن اقتحام ما يحتمل ضرره عليه وعلى شعبيته، لكن مع حديث الأرقام الرسمية وغير الرسمية عن تزايد أعداد المصابين بأمراض الجنس، قد يعد التواري والصمت تقصيرا في أداء مسئوليتنا تجاه إنساننا وأبناء مجتمعنا.

أشير هنا إلى مسار ثالث بات يطرح بقوة وهو يعتمد على توزيع المهمات، فالدعاة والمبلغون همهم أن يبشروا بالقيم وينشروا التعاليم كما انزلها الله سبحانه، وأن يدعو الناس إلى أرقاها وأسماها معتمدين على ما ثبت في كتاب الله وسنة رسوله، وهذه مهمة كبيرة وعظيمة لا يكاد العلماء يؤدون حقها أمام الله والناس، ومن العدل والإنصاف أن ينشغلوا بهذه المهمة على أكمل وجه مفسحين المجالات الأخرى لقوى وفعاليات أخرى في المجتمع.

المسارات دقيقة ولكل منها تفصيل تركته للقارئ الكريم، ويبقى السؤال ماذا يمكن للعلماء أن يفعلوا بعد كل تلك المؤتمرات والورش؟

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1697 - الأحد 29 أبريل 2007م الموافق 11 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً