تستضيف المنامة اليوم (الأحد) المؤتمر القومي العربي، وهو مؤتمر - يقول منظموه - إنهم يحاولون أن يستنهضوا أمة الضاد من واقعها المزري، ولا ضير أن موضوع المؤتمر يحتاج إلى وقفة جادة.
نعم، نحتاج إلى وقفة صادقة وإلى مكاشفة حقيقية، وحتى لا ندفن رؤوسنا في الرمال، دعونا لنسأل أنفسنا قبل أن نسأل المشاركين، ولا أحسبهم للحق معارضين، فيا سادة قبل أن تضعوا تصوراتكم لانتشال هذه الأمة، هل سألتم أنفسكم ذات يوم: من أوصل أمتنا إلى ما هي عليه؟ صدقوني، أنا لا أجني عليكم، لكنكم - أو كثير منكم - امتطيتم زورا ظهر العروبة لتقمعوا شعوب هذه الأمة من شرقها حتى مغربها حين ساندتم الدكتاتوريات العربية في كل مكان.
الفكر القومي العربي قد لا يكون المشكلة، لكن من استغله حوله إلى عنوان كبير لمأساة هذه الأمة، وربما التنظيرات جميلة وبراقة، ولكن القوميين أو كثير منهم، قسوا على هذه الأمة، وكثير منهم شاركوا أو ساعدوا إلى نقل هذه الأمة إلى حيث هي، فاليوم وبعد أكثر من خمسين عاما من القومية التي حملتم لواءها مع الحكومات، ها هي شعوب هذه الأمة تزداد تفرقا وترزح تحت وطأة التخلف الحضاري، وهي في آخر المراتب دائما من عالم التنمية، لكنها الأولى بلا منافس على قوائم المأساة في كل صعيد، فهي الأكثر أمية والأكثر اضطرابا، والأكثر تخلفا على مستوى الصحة والتعليم وفي العدالة والشفافية والديمقراطية وبرامج التنمية والأولى في الدكتاتورية والنظم الشمولية والأولى في الاستبداد وهي التي تتصدر قوائم الفساد المالي والإداري وهي الأولى على مستوى قمع الأقليات وغياب ثقافة المواطنة.
هاكم العراق، وكفى بالعراق واعضا ومتعضا، فمن جلب الظلام إلى أرض الرافدين؟، ومن تسبب في أن يدنس العراق العظيم بأحذية الاحتلال، أليست حماقات النظام المتوالية الذي شاركتموه في كذبة «القومية»؟ بدءا من حرب شعواء ليست ذات جدوى بددت موارد العراق ثماني سنين، ويا ليتها كانت الحماقة الأخيرة، فاختار النظام البائد - وبمؤازرتكم وتصفيقكم الحار - أن يغزو بلدا شقيقا آخر، وأنتم في مرأى ومسمع، ولم تقصروا من نعت حماقاته بكل ما أوتيتم من قاموس.
أنتم من روجتم له فرية البوابة الشرقية تحت ذريعة حماية من هم خلف البوابة، وإذا بالحارس يلثم أهل البوابة بالسياط، ويمارس القتل والتنكيل ويصنع المقابر الجماعية، وينكل بأهل البوابة شر تنكيل، حتى أبعد العراق عن ركب الحضارة الإنسانية، والأمة تكاد تكفر بهذا الفكر، لأن كثيرا منكم كان سببا في ظهور الويلات، فتحولت شعارات التحرر عند كثير منكم إلى «قمع» وتحول النور إلى «تخلف» وتحولت الوحدة إلى «طائفية عمياء»، وتحولت العدالة إلى « دكتاتورية» وتحول خيار الشعب إلى «استئثار بالسلطة» وتحولت وحدة الجبهة الداخلية إلى «مقابر تضم أشلاء خيرة الشباب».
عفوا أيها السادة - دعوني أستميحكم عذرا لأسأل قضبان السجون، وأسمحوا لي أن أحصي الجماجم، فلقد ذقنا من بوابتكم الأولى السم الزعاف، ولا نريد مزيدا من البوابات ولا مزيدا من الدمار، فمن ساهم في صنع هذه العذابات لا يستحق أن يقود الأمة من جديد، لأنه فشل على مدى نصف قرن، وصار الملايين من أبناء أمتنا يبحثون عن مأوى في كل وادٍ، ويطوفون الأرض شرقا وغربا لعلهم يجدون فيها مفرا من جحيم أوطانهم.
أو بعد كل هذا تريدون أن تعيدوا الكرة مرة أخرى، وكأن قدر ساعة هذه الأمة أن تعود عقاربها إلى الوراء دوما، واليوم وإذا كان من أهمية لوجود ثمة مشروع يحمل أفق النور لهذه الأمة، فلابد أن تتخلص الأمة أولا من منظري القمع والدماء والطغمة التي لم تشبع قط من الشيكات الصفراء ومن براميل النفط والسيارات الفارهة التي كانت ولاتزال تدغدغها بها حكومات الاستبداد، وأبناء هذه الأمة جياع، وطبعا نستثني الشرفاء وهم كثر، ولا أعمم، لأن من بين ظهرانيكم من لا يستحق إلا تقبيل الجبين على وقفته الصادقة مع قضايا الأمة، ولكن المشلكة في القاعدة لا الاستثناء.
وإذا بقي لهذه الأمة من أمل فهو جيلها الجديد الذي لم يصنع النكبات والكبوات ولكن مع الأسف حتى هذا الأمل الوحيد تريدون اختطافه من أعيننا بحماقاتكم في العراق، واسمحوا لي أن أسأل بعض القوميين المجتمعين في المنامة: لعمري هل يورّث الداء الدواء؟
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 1696 - السبت 28 أبريل 2007م الموافق 10 ربيع الثاني 1428هـ