أهلا بأشقائنا العرب. أهلاَ بكم في بلدكم وبين أهلكم وناسكم ومحبيكم... وشعب البحرين اليوم يخاطب جمعكم الكبير:
نحن الضيوف... وأنت رب المنزل.
أهلا بكم، وبصوتكم الذي يذكّرنا بصوت جمال عبدالناصر، الذي كان يخطب في القاهرة فتنزل الحشود في المنامة تطالب بجلاء المستعمر، وتحرير فلسطين والجزائر والجنوب وبقية أقطار الخليج.
أهلا بكم، فما أحوجنا إلى هذا اللقاء الذي يعيد ضخّ جرعاتٍ من نسائم الحرية والكرامة والتذكير بالثوابت التي أجمعت عليها الأمة دهرا... وكادت أن تعصف بها رياح الفتن والمحن في زمن الخنوع.
يأتي هذا اللقاء والعرب الحاكمون قد أجمعوا أمرهم على الذهاب إلى آخر أشواط إيثار «السلامة» وخيار التسليم. لم يعد في القوس من منزَعٍ بعد اليوم، فالعرب قد علّقوا رماحهم وسيوفهم في المتاحف، وأحرقوا سيرة عنترة وبطولات الفاتحين، واختاروا الجلوس في ردهات الفنادق بانتظار وفود التفاوض التي مازالت تتمنّع على المجيء.
تجتمعون اليوم والعرب ضيّعوا مشروع الوحدة والنهضة التي حلم بها الكواكبي والأفغاني وابن باديس، ولم يعودوا يملكون غير مشروع الانتحار في زمن التِيهِ الأكبر، يستجدون من العدو الموافقة على مشروع الاستقالة الجماعية من التاريخ.
تجتمعون والأمن العربي اليوم في غرفة الموتى، بعد أن سلّمنا أمرنا ورقاب نسائنا ومستقبل أطفالنا ومفاتيح مدننا إلى الحليف الأميركي... حتى أخذ يتنبأ لنا بمواعيد تفجيرات العبوات الناسفة التي ستضرب الدار البيضاء والرياض والجزائر وجبل لبنان وصحراء سيناء.
تجتمعون في المنامة، والعراق المحتل ينزف كل يوم، فيسقط أبناؤه برصاص المحتل والمفخّخات العمياء التي تستهدف الفقراء والأبرياء والعمّال المياومين في شوارع بغداد والبصرة وكركوك. بلدٌ أضعناه منذ عشرين عاما، وشاركنا في حصاره ودماره، فلما سقط تحت أقدام الغزاة نصبنا عليه المآتم وجززنا الشعور.
تجتمعون وفلسطين مازالت مكبّلة بالأصفاد، بعد أن شاركت الأنظمة العربية في رفع جدران المقاطعة المحكمة، وجلست من خلف الأبواب تسترق السمع، وتفكّر في حلٍّ لـ «تعويض اللاجئين»، وتروّج لإتمام عملية بيع وطنٍ محتلٍ في ضوء النهار.
جئتم وبعض العرب سلّم، وبعضهم مازال يطمع في غمزة عين من العدو الذي ما عاد عدوا، بعد أن أضعنا بوصلتنا، فأصبح جوارنا الإسلامي هو العدو الأكبر. مكاتب مقاطعة «إسرائيل» أغلقت، ومكاتب تجارة «إسرائيل» فُتحت، تدشينا لعهد التجارة الحرة، وجاء بيريز يلفّ على الأسواق، يصافح الفتيات في المجمعات التجارية ويتبادل النكات مع التجّار، فقد انتهت الحرب وبدأ عصر الحب الإسرائيلي على المكشوف.
تجتمعون ومازال دويّ الغارات الإسرائيلية على بيروت يتردّد في أسماعنا، على مدار ثلاثة وثلاثين يوما من التدمير، خرجت «إسرائيل» لأول مرةٍ جريحة ثكلى، وخرجنا مجروحين أيضا، ولكن برؤوسٍ مرفوعةٍ لأول مرةٍ في تاريخ الصراع الممتد ستين عاما.
عاد الإسرائيليون إلى كوبيتزاتهم ومستوطناتهم يلعقون جراحهم ويعترفون بهزيمتهم بعد أن اكتشفوا أن بعض أبناء هذه الأمة يتعلّمون من التاريخ. وعدنا إلى خيامنا لنضيع نصرنا في «زواريب» السياسة العربية ومماحكاتها الطائفية. الأمم تخجل من هزائمها، ونحن نخجل من انتصارنا، لطول ما أقام فوق رؤوسنا غراب الذلة والانكسار.
أضعنا لبنان، وأضعنا قبله العراق، وقبلهما فلسطين. تخلّينا عن عباءة السيّد، كما تخلينا عن سيف عنترة. تبرّأنا من مقاومة لبنان كما تبرأنا من انتفاضة فلسطين، وهكذا طردنا نصف العرب الشرفاء من حمى عروبتنا التي ما عادت تشمل إلاّ المنهزمين. أصبحنا نخجل أن نسمّى عربا في هذا الزمن الراكد... فأعيدوا إلينا صوتنا العربي.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1696 - السبت 28 أبريل 2007م الموافق 10 ربيع الثاني 1428هـ