أن يجتمع علماء دين من مذاهب دينية مختلفة على منصة واحدة ليناقشوا موضوعا بحساسية «قانون أحكام الأسرة» فهو أمر متقدم جدا، وله دلالات وأبعاد عميقة وخصوصا بعد أن نقل موضوع القانون إلى مرحلة من «التجمد» الذي نعرف أنه يغلي من الداخل.
هذا ما حصل في الندوة التي أشرفت عليها جمعية سيدات الأعمال الأسبوع الماضي بدعم من مبادرة الشرق الأوسط (MEPI)، والتي جمعت على منصة واحدة ثلاثة شيوخ دين يمثلون إجمالا التيارات الدينية في البحرين، ليعرض كل منهم رؤيته حول هذا القانون. وعلى رغم التحفظ الكبير الذي بدا واضحا في أطروحات اثنين على الأقل من شيوخ الدين الثلاثة، فإن فتح الحوار مرة أخرى في هذا الموضوع وبهذا الشكل يدفع إلى التفاؤل بإمكان تحريك هذا الملف مرة أخرى.
ولعل أبرز ما قيل في هذه الندوة - للمتابعين لملف قانون أحكام الأسرة على الأقل - هو ما ذكره أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة البحرين الشيخ ناجي العربي، الذي عُرِفَ أنه يتبع الخط الديني الأزهري. العربي شن هجوما على النظام القضائي في البحرين معتبرا أغلب المشكلات التي تعاني منها المحاكم الشرعية نابعة أساسا من سوء التعيينات القضائية، وليس من غياب قانون لأحكام الأسرة. كان العربي صريحا جدا في صوغ آرائه، حتى إنه بيّن أن هذا الوضع القضائي «المتردي» يعد الدافع الرئيسي لإصدار القانون لعله يصلح ما يمكن إصلاحه. ولم يقف العربي عند هذا الحد، إذ تحدث أيضا عما بعد تطبيق القانون، معلنا تخوفه من تركه في يد السلطة التشريعية، ومطالبا بضرورة إيجاد ضمانات حقيقية لعدم تغييره في المستقبل بشكل مخالف للشريعة الإسلامية.
كل ما طرحه العربي من آراء، يعيد إلى ذاكرتنا نفس الخطاب الذي طالما أعلنه المجلس العلمائي الشيعي الذي عارض القانون منطلقاَ من نفس الرؤى الفكرية. وعلى رغم الاختلاف بين المذهبين، تبدو النظرة إجمالا واحدة، تلك النظرة المشككة في إمكان أن يتغير هذا القانون في المستقبل على أيدي «غير خبيرة» تتلاعب بالشريعة كيفما تشاء.
بغض النظر عن صحة تلك النظرة، فالمطلب تقريبا واحد بين مختلف الطوائف الدينية التي يبدو أنها لن تتنازل عن إيجاد ضمانة ما لهذا القانون قبل صدوره، وهو الذي يجعل الكرة واقفة في ملعب الحكومة التي ينتظر أن تبدي تحركا فاعلا في هذا الصدد لتثبت حسن نيتها ورغبتها الحقيقية في الوصول بهذا الملف الذي طال انتظاره إلى نهاية «سعيدة».
لعل ما ميز حديث العربي في تلك الندوة أيضا ما ذكره من وجود «غموض» محاط باللجنة التي أعدت مسودة/ أو مسودات قانون أحكام الأسرة. تلك المسودة التي يتم تناقلها وطباعتها في كل مرة، ويتبرأ منها الجميع، ولا نعرف حتى الآن من المسئول المحدد عنها. كانت المطالبة واضحة في تلك الندوة بضرورة إيجاد لجنة محددة ومعينة من علماء دين «ثقاة» لوضع القانون يمكن محاججتهم والرجوع إليهم في أي نقص يراه باقي العلماء في القانون ويتطلب الإصلاح. وهي الرؤية التي تبناها بقوة الممثل الديني لتيار الإخوان المسلمين الشيخ عبداللطيف المحمود. الشيخ أكد أن المسودة عرضت عليه ووضع عليها كثيرا من الملاحظات ولكنه لا يعرف تماما من وضعها، وإلى أين وصلت ملاحظاته. ويبدو أن الوضع تكرر لدى كثير من علماء الدين الذين عرضت عليهم تلك المسودة بنفس الطريقة، ولايزال الموضوع معلقا.
ملف قانون أحكام الأسرة حقق معادلة فيزيائية مستحيلة، فعلى رغم تجمده الحالي، نعرف عندما نقترب منه أنه لايزال يغلي من الداخل، غليانا يتطلب تدخلا من الدولة للاحتواء والتحاور في وجهات نظر تقاربت كثيرا بين المذاهب الدينية، ولاتزال تنتظر مبادرة فعلية شجاعة ومتعاونة.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1695 - الجمعة 27 أبريل 2007م الموافق 09 ربيع الثاني 1428هـ