لا يقف مشروع الحلم الصهيوني في إقامة دولة من النهر إلى النهر (النيل والفرات) على السيطرة العسكرية وحدها، إذ يتعدى (الحلم) ويصل إلى السيطرة الاقتصادية. فالكيان الصهيوني فشل في مواجهة أبطال «حزب الله» في الجنوب اللبناني، فضلا عن انهزام جيشه أمام أطفال الحجارة على أرض فلسطين منذ سنين خلت، إلا أن الحلم الصهيوني مازال قائما من جهة السيطرة الاقتصادية (وهي الأهم)، على المنطقة الممتدة من النهر إلى النهر... وبما أن القوى الشعبية، على مدى العقود السالفة، كانت البوابة الوحيدة الموصدة في وجه التطبيع، إذ إن كل البوابات شرعت في وجه الصهاينة من «نواكشوط» إلى «الدوحة»! وعلى ذلك، فإن الإطاحة بفكر المقاومة والممانعة الشعبية للمشروع الصهيوني يكمن في اقتلاع جذور ومصادر تلك المقاومة والممانعة الشعبية.
المقاومة والممانعة الشعبية للتطبيع منبعهما معروف، وهما مصدران أساسيان: الدين والثقافة. لذلك تجهد أميركا ومن خلفها الكيان الصهيوني إلى اقتلاعهما أو تحريفهما بما يتفق مع استراتيجيتهما في المنطقة وأحلامهما التوسعية. سياسة اقتلاع المقاومة والممانعة من جذورها يكمن في عدة محاور... لذلك بدا عليهما الاهتمام بما تحويه المناهج التعليمية، وذهبت أميركا بنفسها تشرف على ما تقدمه وزارات التعليم من مناهج وحذف ما لا يتوافق مع التهيئة والقبول الشعبي بالكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين.
وأنا أعتقد جازما بأن ما ذهب إليه الوالد عبدالله النفيسي في الكراس الموسوم بـ «لا للتطبيع» وفي شأن الصراع العربي مع الصهيونية هو ما يجب أن نراه ونعتقده كعرب ليس أمام عدونا من خيار سوى اقتلاع ديننا وثقافتنا، ومسخ هويتنا كأمة، والاستيلاء على مقدراتنا كشعوب. والنفيسي يشير إلى ملامح أساسية في صراعنا مع الصهيونية والصهاينة وهي: أن صراعنا مع الصهيونية هو صراع طويل ولا حدود له بمعنى أنه ليس صراعا عابرا في التاريخ، إنما صراع مركزي وليس فرعيا أو ثانويا ولذلك يخطئ من يظن أن حله مربوط بمفاوضة هنا أو هناك أو بتدخل من هذا أو ذاك أو يقع في المصيدة الفكرية التي تهذي حول «مرحلة الحل النهائي» أو يمارس دعابة تحديد موعد لها. والملمح الثاني الذي يشير إليه النفيسي يتمحور حول أن صراعنا مع الصهيونية هو صراع دولي، وليس صراعا إقليميا بمعنى أن كل دول العالم الكبرى وقفت بجانب العصابات الصهيونية مذ النشأة الأولى للكيان الصهيوني... أما الملمح الأخير هو أن صراعنا معهم صراع شامل على كل الأصعدة (الجغرافيا والتاريخ والثقافة والاقتصاد والإعلام والدعاية والحرب النفسية والحرب العسكرية). ولذلك فإنه صراع وجود وليس صراع حدود.
من هنا فإنني (كاتب السطور) اجتهدت في توضيح خطورة الغفلة التي نحن فيها... وإن كنت أرى نفسي مقصرا في واجب الدفاع عن إخوتنا وأهلنا في فلسطين العزيزة، إلا أن العذر عند الكرام مقبول؛ وهل هناك من كرم يضاهي ما لدى إخوتنا وأهلنا في فلسطين الحبيبة؟! هم جادوا بدمائهم وأرواحهم حماية لأرضهم ودفاعا عن عرض العرب و «أقصى» المسلمين.
أما شأن التطبيع على الصعيد الداخلي، فإنه لا شك في أن أعضاء جمعيات وتكتلات «ضغطة زر» وحتى أعضاء «نظرية التمكين»، أولئك وهؤلاء، لن يخدموا القضية المركزية، وتحديدا شأن التطبيع مع الكيان الصهيوني... وهذا الكلام ليس هجوما بلا دليل، بل هو تحليل منطقي لمآلات الأشياء وطبيعة حركتها.
جمعيات وتكتلات «ضغطة زر» نشأت في حضن السلطات وبالتالي فهي ترضع ديمومة بقائها على قيد الحياة (بشكل دائم) من الأم الرؤوم، والتي لم ولن تفطمها، فالأم دائما ترى في ابنتها أنها «لسه صغيره»! أما أعضاء نظرية التمكين فلا خلاف على أنهم أكثر استقلالية من تكتلات «ضغطة زر»، ولكن شعارات وعبارات التمكين تطفوا على السطح كلما واجهوا أية مخاضات أو مصادمات مع السلطة، فتحصيل المنافع وتكثيرها مقدم على أي أمر آخر... وبالتالي فالقضية لا حضن يحميها ولا مرسى لها. وأمام هجمة التطبيع الحالية على دولنا الخليجية نأمل أن يُعاد طرح مفهوم المقاومة الشعبية الخليجية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1695 - الجمعة 27 أبريل 2007م الموافق 09 ربيع الثاني 1428هـ