العدد 1695 - الجمعة 27 أبريل 2007م الموافق 09 ربيع الثاني 1428هـ

مارسيل خليفة يحتفي بالحب والحرية

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

الحب هو خيط المشاعر الجميلة يشد البشر لبعضهم، به ترتقي معاني الحياة وتسمو تحت جناح المحبين وهم يزرعون بذرة التعلق بين البشر ويروونها بقلوبهم فتنمو وتسمو وترتقي. فهل الانجذاب والتعلق بمن نحب غريب في حياتنا وهل الوجد خارج قواميسنا، هل الحب إلا حياة يكتمل بها الوجود ؟!. كلما زاد الحب صدقا وجموحا تحقق للحياة معناها ومبناها وتسامى الإنسان خلاقا لها. فكيف لهم أن يروا في جذوة الحياة فاحشة أو رذيلة.

عبر مسيرته الفنية المتنوعة في محطاتها حرص الفنان مارسيل خليفة في كل عمل فني على الاحتفاء بالحب كأسمى المعاني الإنسانية وأصدقها بل وأكثرها تحقيقا لإنسانية الإنسان. ومع احتفائه بالحب الإنساني يحتفي مارسيل خليفة بالحرية، وهل يكتمل الحب إلا في كنف الحرية؟. يحتفي مارسيل بالحب والحرية وهو يراهما يُشوهان في رقعتنا العربية ويُصادران وتُقطع الطريق أمام ازدهارهما وارتقائهما وتعبيرهما عن جوهر الحياة الإنسانية.

وقد التزم مارسيل بالحب والحرية ومجدّهما في فنه منذ أن لمع نجمه إبان الحرب الأهلية اللبنانية والاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني فألهب بغنائه وموسيقاه قلوب الجماهير العربية التواقة لحبٍ وحريةٍ حقيقيين.

مرّ مارسيل خليفة بمراحل تطور فني منتقلا من التركيز على الأغنية الوطنية النابعة من معاناة الإنسان والوطن والمنددة بالظلم والاحتلال وسرقة معاني الحب والحرية من حياة الناس... متوجها للتركيز على الموسيقى والتلحين الموسيقي، وظل في كل محطاته محتفيا بالحب والحرية. في التسعينات الماضية بدأ مشروعات موسيقية صرفة كان أولها مؤلفه «جدل»، تلاه وضع الموسيقى التصويرية للكثير من مسرحيات فرقة كركلا اللبنانية وبعض البرامج التلفزيونية. كما اتجه لتكوين فرقة «أوركسترالية» تعزف موسيقاه وأغانيه وطعّمها بعازفين عالميين. وقد أحيا مارسيل حفلاته في عديد الدول العربية والأوربية، ومن أشهرها حفله في قاعة الملكة اليزابيث في لندن وفي قصر اليونسكو ببيروت. وفي العام 2005 كُرم من قبل منظمة اليونسكو بتسميته سفير السلام للمنظمة.

أما أهم أعماله الموسيقية وأروعها فهو العمل «السيمفوني» الكبير الذي أعده لاحتفال قناة الجزيرة الفضائية بمرور عقد على تأسيسها وقد أسماه «شرق» وعُزف في صالة تاريخية بمدينة ميلانو الايطالية.

وآخر أعماله مسرحية «مجنون ليلى» وقدمه الشهر الفائت في البحرين.

مارسيل خليفة ليس جديدا على الملاحقات التي تُحصي أنفاس الفن الحقيقي الخلاق في تعبيره عن الحب والحرية وعن توق الكائن البشري لهما في أضيق معانيهما كما في أوسعها. فمنذ بداياته دفع مارسيل في سبيل احتفائه بالحب والحرية الكثير. لكنه ظل صامدا واثقا من براءة إبداعه وصدق فنه غير عابئ بما يُتقول عليه من أقوال ويُحكم عليه من أحكام.

أول ضريبة دفعها كانت تجاهل الإعلام العربي لصوته وفنه الملتزم وإقصاءه عن الوسائط الإعلامية القريبة من الناس مقابل الترويج لصالح الرخص الفني السائد. وفي مرحلة الاجتياح الإسرائيلي للبنان واحتلال جنوبه تعرض مارسيل للاعتقال والتعذيب على يد المحتلين. أمام ذلك ثبُت طودا شامخا يحفر في الصخر ليواصل مسيرته الإبداعية الحرة ويتواصل مع الناس حتى فرض وجوده ومكانته وقيمته الفنية.

وقد ناله أول ما ناله من محاربة في وطنه لبنان حينما غنى في العام 1995 قصيدة محمود درويش «أنا يوسف يا أبي» وهي قصيدة تستلهم قصة يوسف عليه السلام في إسقاطٍ جميل على القضية الفلسطينية. اتهمته مراجع إسلامية - حينها - بالتجديف على القرآن الكريم إذ تنتهي الأغنية بمقطع اعتُبر جزءا من آية قرآنية. لكن أمام تمسكه بمواقفه وقناعاته أُسقطت التهم التي وُجهت له. وفي العام 2003 عاد أحد القضاة اللبنانيين ليحيي الهجوم ذاته متهما الفنان بتحقير الإسلام عبر الأغنية المذكورة. وقد واجه مارسيل خليفة حكما بالسجن يصل إلى ثلاث سنوات لولا أن برأته محكمة لبنانية مما نسب إليه من تهم.

وفي صيف العام 2005 كانت أول ملاحقة لمارسيل خليفة وإبداعه خارج بلاده. فقد أصدرت وزارة الثقافة التونسية قرارا بمنع تداول موسيقاه وأغانيه ومنع تداول اسمه على كامل التراب التونسي. جاء المنع اثر إهداء مارسيل من على مسرح قرطاج أغنيته «عصفور» للسجناء العرب في السجون الإسرائيلية وللسجناء العرب في السجون العربية. كما أرجع ناشطون تونسيون السبب إلى توقيع خليفة - ضمن الكثير من المثقفين العرب - عريضة تساند حركة 18 أكتوبر/ تشرين الأول المطالبة بالحريات في تونس.

حيال ذلك المنع قال مارسيل خليفة أبلغ قول يمجد الحب والحرية ويحتفي بهما، قال: «يخالجني إحساس مروع لا يمكن تفادي فداحته وضغطه الفظيع عن روحي وكياني، إحساس بالحزن الإنساني وبالخجل الحضاري، حزين لأن ثمة قوى تقدر أن تمنع مشاركة فنان تهمته الوحيدة أنه يغني للحب والحرية ويسعى صادقا إلى التعبير عن مجتمعه.

وحزين لأنني سواء في أعمالي الفنية أم في سلوكي الشخصي كنت أنطلق دوما من الحب، وأمضي بلا تردد نحو الحرية من دون أن يخالجني أي شك في نزوع الكائن الإنساني نظريّا إلى الحب والحرية إلا إذا كان هذا الكائن غير سوي».

وأمام حملات التنديد بهذا المنع التي انطلقت عربيا وعالميا تراجع الإعلام التونسي في نهاية العام ذاته وبدأ في إذاعة أغاني الفنان كإشارة ضمنية على التراجع عن قرار المنع. وبعدها عاد مارسيل خليفة شامخا يغني من جديد في مهرجانات قرطاج.

في منطقتنا العربية لا يُسيء مراكز القوى على اختلاف مشاربها أكثر من صدق وعمق التعاطي مع قيمتي الحب والحرية. وقد أبت - هذه المرة - إلا أن تنال من هذا الفنان في الطرف الشرقي من الوطن العربي. ا

ليوم مارسيل خليفة بمعية شاعر البحرين قاسم حداد متهمان من قِبل بعض خطباء المساجد ومن نواب انتخبهم الشعب البحريني بخدش الحياء العام وتهديد الأخلاق والخروج على الشريعة. وقد تذرعوا في هذه التهم ببعض المشاهد في عرض «مجنون ليلى» الذي قدمه المبدعان ضمن فعاليات ربيع الثقافة - البحرين 2007.

وقد شُكلت لجنة تحقيق نيابية لهذا الغرض ربما تكون قد باشرت عملها.

مخجل ما حصل لمارسيل خليفة بين ظهرانينا، لكنه ليس بجديد عليه وليس له أن يفتّ من عضده أو يوقف مسيرته الإبداعية، فهو القائل مع قاسم حداد في بيانهما «جئنا لنعلن الحب» بأن الحب والحرية مسألتان لا يمكن التفريط فيهما كلما تعلق الأمر بالحياة والإبداع.

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 1695 - الجمعة 27 أبريل 2007م الموافق 09 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً