العدد 2255 - الجمعة 07 نوفمبر 2008م الموافق 08 ذي القعدة 1429هـ

أوباما بين الطموح الذَّاتي وسياج النظام الأميركي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نجح باراك أوباما... فرح الكثير من العرب وهللوا ... نقلت الفضائيات احتفالات عمت بعض العواصم العربية شعبية وشبه رسمية... هناك نسبة لابأس بها من العرب راهنوا ومازال البعض منهم يراهن على احتمال تغيير لصالح القضايا العربية في الإدارة الأميركية، بعد نجاح الديمقراطيين، وإزاحة الجمهوريين، إثر ولايتين متتاليتين، جثمت خلالهما إدارة يرأسها جورج بوش على كرسي الحكم في البيت الأبيض.

ربما لا يختلف اثنان على أن تلك الولايتين هما من أسوأ المراحل في تاريخ الولايات المتحدة المعاصر، وخصوصا في أعقاب الحرب الكونية الثانية، عندما حاولت واشنطن أن تزيح قوى الاستعمار الأوروبي القديم من مناطق استراتيجية بالمعيار الدولي، مثل الشرق الأوسط، وكان موقفها من العدوان الثلاثي في منتصف الخمسينات على مصر من أهم الأدلة على ذلك التوجه.

يعلق هؤلاء الأمل على أوباما مستندين إلى أصوله الإفريقية، الممزوجة بمسحة إسلامية، وخلفيته الأكاديمية المميزة التي نالها من هارفرد، وثقافته الغزيرة التي بناها خلال عمله في المؤسسات الإعلامية ومن بينها دوريات تصدر عن هارفرد.

لكن كل ذلك، وإذا افترضنا جدلا أن الرجل عازم على إجراء تغيير جذري استراتيجي في سياسة الولايات المتحدة إزاء الشرق الأوسط، فهو سيجد أمامه 3 ملفات شرق أوسطية ساخنة ومعقدة: الصراع العربي الإسرائيلي، النفط، والوجود العسكري الأميركي في العراق.

ملف الصراع العربي الأميركي، لن يستطيع أوباما ولا غير أوباما، وعلى المدى المنظور إجراء تحول فيه لسببين، أولهما نفوذ، ولا أقول سيطرة وتسيير، اللوبي اليهودي على المؤسسات المالية والإعلامية في الولايات المتحدة. يكفي هنا الاستشهاد بما نقله موقع(http://www.freearabvoice.org/arabi/zawiyatuLKurra_i/alLobyLYahudy.htm ) على لسان المطران دزموند توتو Bishop Desmond Tutu من جنوب إفريقيا، والحائز جائزة نوبل للسلام للعام 1984، موضحا سبب استمرار الولايات المتحدة كداعم قوي لـ «إسرائيل»، بالقول: «لقد تم وضع الحكومة الإسرائيلية فوق منصة عالية (بالولايات المتحدة) وإذا ما انتقدها أحد وصموه فورا بالعداء للسامية. يخاف الناس في هذه البلاد من نعت الخطأ بالخطأ لأن اللوبي اليهودي قوي... قوي جدّا». ويؤكد ذلك، كما ورد في الموقع ذاته، المدير السابق للشئون القومية باللجنة اليهودية الأميركية ستيفن شتاينلايت (Stephen Steinlight) حين يقول إن لليهود «قوة سياسية لا تتناسب مع عددهم... وهي أعظم من قوة أي مجموعة عرقية أو ثقافية في أميركا... وإن النفوذ الاقتصادي لليهود وقوتهم يتركزان بصورة غير متناسبة في هوليوود والتلفاز وفي مجال الأخبار».

والكل يعرف أنه على رغم خسارته للانتخابات في ولاية ماساتشوستس فإن أوباما حصل على أصوات 52 في المئة من يهود الولاية مقارنة بـ 48 في المئة حصلت عليها هيلاري كلينتون التي فازت في الانتخابات التمهيدية فيها. أما في كونيتيكت فحصل أوباما الفائز فيها على أصوات 61 في المئة من اليهود في مقابل 38 في المئة لكلينتون.

يعزز من هذه القوة «لوبي» عربي باهت لا يغري ولا يشجع أي رئيس أميركي، أوباما أو غير أوباما، على أن يقيم أي وزن فعلي له، وخاصة عند الحديث عن السياسات الداخلية التي تعكس نفسها، بالطبع، على السياسة الخارجية.

الملف العربي الساخن الثاني هو النفط، والاحتكارات النفطية الأميركية، وخاصة بعد دخول الولايات المتحدة في نفق الأزمة المالية التي لاتزال تعصف بأعمدة معابدها الاقتصادية، ليس بوسع أوباما أن يقف في وجه تلك الاحتكارات التي حملت بوش من قبله إلى السلطة، وفشل الكونغرس على مدى ثمانية الأعوام الماضية في الحد من نفوذها واستغلالها للمواطن الأميركي ذاته، فما بالك بالبلدان العربية المنتجة للنفط. ومن ثم فمن أهم عناصر استقرار السلطة خلال الأربعة الأعوام المقبلة أن ينجح أوباما في إشباع نهم ذلك الاحتكار، وهو هدف لا يمكن تحقيقه، من دون التضحية بمصالح الدُّول المنتجة للنفط، وفي القلب منها الدول العربية لصالح تلك الاحتكارات.

الملف العربي الثالث الأخير، هو الوجود العسكري الأميركي في العراق، الذي لم يكف أوباما خلال حملته الانتخابية عن الغمز من قناة بوش، موجها عن طريق ذلك سهامه نحو ماكين الجمهوري. لكن الاحتكارات العسكرية التي وقعت صفقات تسلح وخدمات عسكرية وأمنية قدمتها شركات أميركية لدول الخليج ومعها العراق تجاوزت تريليون دولار، ليس من مصلحتها وقف تلك الحرب، ومن ثم خروج الولايات المتحدة من بغداد، فكلما زاد دور الحروب، اشتدت الحاجة إلى منتجات وخدمات تلك الاحتكارات، وبالتالي فليس من مصلحة، وربما في مقدرة أوباما الوقوف في وجه تلك الاحتكارات أو شن حرب ضدها، داخلية كانت أم خارجية.

في ضوء تلك العوامل من المتوقع أن يجمد أوباما ملفات الشرق الأوسط الثلاثة الساخنة، ويكتفي بإجراءات تجميلية محدودة، قد تتجاوز التصريحات النارية قليلا، يشتري بها صمت العرب من جهة، ويشيع الطمأنينة في قلوب الاحتكارات وتل أبيب من ناحية ثانية.

وإن كان لنا نحن العرب أن نفرح، فهو عندما ننتخب نحن رئيسا عربيّا لديه مشروع عربي طموحه يخوض لتحقيقه معارك العرب الكبرى التي لا ينبغي وليس من حقنا أن نطالب قادة آخرين، أوباما أو غير اوباما بخوضها بالنيابة عنا.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2255 - الجمعة 07 نوفمبر 2008م الموافق 08 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً