العدد 2255 - الجمعة 07 نوفمبر 2008م الموافق 08 ذي القعدة 1429هـ

أوباما أفضل من بوش مهما كان سيئا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الصدمة التي أحدثها فوز باراك حسين أوباما بمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة تحتاج إلى فترة زمنية لاستيعاب دلالتها واحتواء تداعياتها. فهناك فترة انتقالية تفصل بين الثلثاء الكبير (يوم الانتخاب) وموعد التسلم والتسليم الذي يتصادف في 20 يناير/ كانون الثاني 2009. وهناك مهلة سماح زمنية تمتد إلى مئة يوم وهي تعطى عادة لاختبار العهد اعتمادا على عينة تشكل مادة خصبة للتعرف على خطوط السياسة العامة.

عهد أوباما لم يبدأ رسميا ولكن أسلوب تعامله مع الفوز، والطاقم الذي سيختاره لمساعدته، والطريقة التي سيتعاطى بها لمعالجة الملفات الساخنة أو الباردة تشكل عناوين عريضة يمكن البناء عليها لقراءة خريطة شائكة تختصر الكثير من التوقعات.

هناك مراهنات على دور الشاب الأسمر وشخصيته وسيرته المتواضعة تبالغ في الاحتمالات. ومعظم تلك التوقعات تعتمد على فرضيات لا يمكن اتخاذها قاعدة صلبة للبناء. والتحليلات الصحافية التي صدرت في الغرب (الأميركي والأوروبي) أجمعت على وجود مشكلات كثيرة يصعب حلها نظرا للمخلفات السيئة التي تركها له الرئيس الحالي جورج بوش.

قراءات كثيرة ذهبت باتجاه اجتراح المعجزات، وبعضها توجه نحو صوغ نظريات عن «مؤامرة»، وبعضها الآخر تخوف من وجود خطة انقلاب في الاستراتيجية الأميركية دوليا وعربيا وإقليميا. وهناك من حدد بالأسماء جهات فازت وجهات خسرت ومعسكرات استفادت ومعسكرات فشلت.

كل هذا الكم من الاستنتاجات لا قيمة عملية له قبل التعرف على الفريق المساعد الذي سيتعاون معه باراك في إدارة البيت الأبيض. والطاقم الوزاري والاستشاري الذي سيختاره لا يستطيع التحرك من دون رؤية استراتيجية عامة تحدد برنامج الأولويات وتضع رسومات نظرية للتحرك على المستويين الداخلي والخارجي. وهذه الخطوات يرجح أن تأخذ وقتها حتى تكتمل صورة خريطة الطريق.

عدم المسارعة في القراءة يساعد على عدم القفز في الاستنتاجات ويقلل كثيرا من المراهنات والتوقعات. فالرسالة من وراء انتخاب أوباما وصلت وهي تتلخص مبدئيا في الاستعداد للذهاب بعيدا في تجديد الديمقراطية الأميركية بعد أن كادت جذورها تصاب بالجفاف والموات.

عملية تصحيح اللون حصلت وبقي على أوباما أن يستخدم موقعه الرئاسي لتصحيح الأخطاء وتلك الجرائم والإهانات التي ارتكبت داخليا ودوليا بحق الشعوب وحرياتها وثقافاتها. والتصحيح السياسي مسألة صعبة ويحتاج إلى وقت وإرادة يرجح أن يصطدم بمعوقات تعطل على الرئيس المنتخب إمكانات التحرك لاختصار الزمن وتذليل العقبات وتصويب التوجهات.

المسألة صعبة ولكنها تستحق المجازفة وخصوصا أن أوباما جاء في فترة مضطربة وورث مسئولية عقب أسوأ عهد مرت به الولايات المتحدة منذ تأسيسها. وبهذا المعني سيكون أوباما أفضل مهما كان سيئا.

المفاضلة بين بوش وقبله (بيل كلينتون) وبعده (أوباما) تشكل وحدة قياس نظرية لقراءة الاحتمالات والتعرف على التوقعات. فالرئيس بوش مثلا يكره الإسلام والمسلمين ويحتقر العرب وينبذ الحضارة العربية ويتعامل بسخرية مع دولها ويتهكم على شعوبها وثقافتها. ومثل هذه الأمراض النفسية والعقلية غير موجودة عند كلينتون وهي بالتأكيد غير واردة عند أوباما.

هذا الفارق الايديولوجي ليس بسيطا لأنه يؤسس سياسيات تبرر استراتيجية معينة أو تعطلها وتنسفها من أساسها. فالاحتقار الايديولوجي الذي يكنه بوش للمسلمين والعرب أعطاه ذريعة للتغطية على قرارات غير عادلة واتباع أسلوب غير أخلاقي في التعامل مع الشعوب والدول العربية. بوش مثلا وصلت به السياسة إلى حد نبذ كلمة «عربي» في السجلات الرسمية والتجارية وبذل جهده للبحث في تسميات مختلقة ومرتجلة للشعوب القاطنة بين المحيط والخليج تجنبا لاستخدام مفردة «عربي». فالعرب في قاموسه شعب اندثر وغير موجود ولا يحق للمنطقة أن تطلق على نفسها تسمية «عربية» أو «جامعة عربية» أو أي مرادف يشير لتلك الفترة التاريخية من العالم.

كراهية العرب

تسميات كثيرة أطلقت على المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج وكلها تجنبت ذكر هذه المفردة. فمرة شعوب «الشرق الأوسط» ومرة «الشرق الأوسط الكبير» أو «الصغير» أو «القديم» أو «الجديد» أو «الأدنى» أو «الأقرب» أو «الأبعد»... وكلها مصطلحات سياسية تريد حذف لفظة «عربي» ومنعها من التداول. حتى «جامعة الدول العربية» حاولت واشنطن محاربتها واقترحت تسميتها بجامعة «الشرق الأوسط» وتوسيعها جغرافيا لشطب الإشارة اللفظية لتجمع دول عربية.

آخر الابتكارات في عالم الاسم واختيار مفردة مناسبة للشعوب القاطنة في المنطقة كان استحداث مصطلح «مينا». فهذه الأمة ليست إسلامية ولا عربية وإنما «مينوية» أي شعوب «الشرق الأوسط وشمال إفريقيا». «مينا» برأي إدارة بوش تختصر كل الأسماء وتختزل المجموع في مفردة واحدة وتعطي بعدا «حداثيا» و «معاصرا» لمساحة جغرافية تنبسط من المحيط إلى الخليج.

هذه السياسة التي تعتمد التبسيط والاحتقار والاستعلاء والإذلال والإسقاط عن التاريخ وشطب الاسم من الخريطة الجغرافية لن يتعهدها أوباما في كنف إدارته مهما بالغ في الإساءة لشعوب المنطقة. ومجرد الابتعاد عن هذا الأسلوب الطارد للحضارات يشكل بداية جيدة لتصحيح استراتيجية خطيرة راهنت على القوة (الإغارة على المنطقة) واسطة للتغيير.

أوباما في هذا السياق لن يكرر سياسة كارهة ونابذة للآخر وفاشلة في نهاية المطاف. وبمجرد ابتعاده عن الحقد العنصري المشحون بالتوتر الديني والنزوع نحو تجديد «الحملات» باسم مكافحة «الإرهاب» و «الفاشية» يشكل خطوة بالاتجاه الصحيح حتى لو منعته أجهزة الضغط من مقاربة الملفات الساخنة التي تتطلب رؤية عادلة للحلول.

وحدة القياس تعمل لمصلحة أوباما. والمقارنة بين العهد البوشي والحالي ستكون لا شك إلى جانب الرئيس المنتخب حتى لو كان نائبه جوبايدن يحمل تصورات سلبية عن العرب والعروبة والشعوب العربية والخرائط السياسية التي تتألف منها دول المنطقة.

وحدة القياس حتى الآن ايديولوجية وتحتاج إلى فترة اختبار للتعرف على جوهرها السياسي. ولكن المقارنة الايديولوجية تكشف عن معطيات من الصعب تصور أن يقع بها أوباما ويعيد تكرارها. فالبغض الذي يكنه بوش لشعوب المنطقة وثقافتها لا يوصف ولا يمكن تبريره حتى حين وقعت هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. فالهجمات لا تكفي لتبرير استراتيجية اعتمدت تكتيكات عسكرية ثلاثة: «الفوضى البناءة» و «تقويض الدول» و «الضربات الاستباقية». والهدف من هذه التكتيكات «إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط».

ايديولوجية بوش لعبت دورها في تدخير الأسلحة وتصويبها إلى المنطقة العربية وارتكاب كل الحماقات انتقاما من هجمات سبتمبر. والذريعة السياسة التي تسلح بها بوش لشحن الفضاءات الدولية ضد العرب لا تبرر تلك الهجمات على الدين الإسلامي (عقيدة الشعوب العربية) ولا تفسر تلك الانفعالات التي صدرت ضد ثقافة الناس وعاداتهم وتقاليدهم وهويتهم الحضارية. فهذا العامل الايديولوجي الذي حفز بوش للثأر من جنسيات شباب اتهموا بالتخطيط أو تنفيذ الهجمات على نيويورك وواشنطن لا يتوافر عند أوباما. وهذا الدافع الايديولوجي الذي شجع بوش على إعطاء الأوامر للتحطيم والتقويض والاقتلاع والحصار الذي شهدته المنطقة الإسلامية - العربية من أفغانستان (العام 2001) وفلسطين (العام 2002) والعراق (العام 2003) ولبنان (العام 2006) غير موجود ثقافيا وسيكولوجيا عند الرئيس المنتخب.

وحدة القياس الايديولوجية يمكن أن تساعد على المقارنة وربما مقاربة الملفات القديمة والمستحدثة للخروج بفرضية بسيطة وعادية وهي: أن أوباما أفضل بكثير من بوش مهما حاول نائبه وطاقمه الوزاري دفعه باتجاه الانزلاق نحو قرارات خاطئة وطائشة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2255 - الجمعة 07 نوفمبر 2008م الموافق 08 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً