عندما نتكلم عن الفقر والحاجة نحتاج إلى صفحات وصفحات كي نسطر من خلالها صورا من مآسي الفقر والبؤس والحاجة التي تعانيها بعض العوائل والأسر التي لا تعد قليلة، وربما تكون الصورة أكثر قتامة إذا ما كانت مركبة بمعنى تعكس حالة من الفقر والتعطل والبطالة وقلة الوعي والبصيرة إلى جانب الإعاقة وقلة ذات الحيلة.
في الأسبوع الماضي وقفت على إحدى الحالات المروعة والمخيفة التي تمثل تحديا كبيرا لكشف الحقائق والوقوف عليها. لا نحاول أن نخفي الحقائق ونغش العالم من حولنا؛ إذ لن ننجح في هدفنا ذلك طالما بقت الحقائق كاشفة بوجهها. لا نحاول أن نخدع المشاهد من خلال السيارات الفارهة آخر الموديل في مسلسلاتنا البحرينية والفلل الرائعة في التصميم والتأثيث فهي لا تعكس الواقع المرير الذي تعيشه أغلب العوائل البحرينية، والتي تعيش على بضعة دنانير طوال الشهر وتنتظر الشهر أن ينقضي بفارغ الصبر كي تحصل على قليل منها من جديد فتدور من جديد عجلة الحياة لديها وإلا فإن الزمن يتوقف عند حالة البؤس والفقر المدقع.
ولكم أعزائي القراء أن تتخيلوا معي أن إحدى الأسر والحالة التي سأتحدث عنها في مقالي هذا تتكون من سبعة أشخاص يعيشون على 30 دينارا فقط طوال الشهر، لو أردنا أن نجري عملية حسابية بسيطة لمقدار نصيب كل واحد من هؤلاء الأفراد من الدنانير الثلاثين بقسمتها على 7 لوجدنا أن نصيب كل واحد لا يزيد على أربعة دنانير ونصف الدينار الآن لو وضعنا في جيبنا هذا المبلغ لما استطاع أحدٌ فينا أن يعيش عليه ليوم واحد فقط فكيف له أن يعيش عليه مدة شهر كامل؟ علما أن من بين هؤلاء السبعة ثلاث طالبات في المدرسة في المرحلة الابتدائية وطفلة رضيعة عمرها لا يتجاوز شهرين، وكلنا يعلم أن المدارس تحتاج إلى نفقات حتى لو كان التعليم مجانيا كما أن الطفل الرضيع يحتاج من الميزانية في أسوأ الظروف والأحوال بما لا يقل عن 50 دينارا إذا ما أرادت الأسرة أن تقتصد في النفقات والترشيد التي سمعنا عنها ومازلنا نستغرب توافرها خيارا مطروحا أمام العوائل الفقيرة التي ربما تلام إذا ما أفصحت عن حالة الفقر والبؤس التي تعيش فيه فيكون الجواب الجاهز لها: إنكم لا بد لكم أن ترشدوا في الإنفاق.
نعود من جديد إلى الحالة التي أريد أن أسلط الضوء عليها والتي ربما تتجاوزها كل المعايير التي وضعت من قبل المشرعين والتي لا يمكن أن تنطبق عليها أي معايير أخرى مهما كانت درجة الاجتهاد، وكأن الحالة تعيش خارج العصر. ببساطة شديدة رب الأسرة عاطل عن العمل وكل الطرق مسدودة أمامه، وربما لم يكن أمامه سوى بيع بطاقته السكانية مقابل 30 دينارا فقط لتوفير دنانير محدودة - لمحدودية تفكيره أيضا - مصاريفَ لبناته الأربع وولده المعوق الذي إلى الآن تستكثر عليه وزارة التنمية أن تصرف له راتبا شهريا حاله كحال بقية المعوقين الآخرين، وكأن والده مليونير بالتالي لا يستحق المساعدة المالية، وأيضا تسوف في صرف المساعدة الشهرية للأسرة ذاتها وكأن الدنانير الثلاثين التي يحصل عليها رب الأسرة هي عبارة عن 30 ألف دينار. لا أعرف بأي منطق يتكلمون هؤلاء؟ وبأي منطق نجيب بدورنا نحن عليهم؟ فبحسب كلام الأم إن طلبهم صار عليه من سنتين إلى 3 سنوات وإلى الآن لم تصرف لهم المساعدات، وأن عملية المتابعة تكاد تكون مستحيلة في ظل وجود صعوبات عديدة ومنها على سبيل المثال عدم توافر وسائل المواصلات لديهم إلى جانب عدم إلمامهم بالإجراءات والخطوات.
هل تعرفون كيف تعيش هذه الأسرة كي تحصل على بضعة دنانير أخرى لضمان أسباب العيش والا كانوا في عداد الموتى؟ الأم تبقى ليل نهار على مَكَنَة الخياطة التي اشترتها بدنانير معدودة بنصف عمر أو ربع عمر، وتخيط «مشامر» الصلاة لتبيعها بخردة، تضطر حينها إلى ترك أولادها طوال النهار جياعا بلا أكل من أجل الانتهاء من طلبات الزبائن المحدودة جدا كي تُعَيّش أولادها.
هؤلاء لم يفكروا في يوم الأيام في أن يخرجوا إلى الشارع ليتسولوا مثل بقية الطامعين الذين يرغبون في استعطاف أصحاب القلوب الرحيمة وتخزين المبالغ الكبيرة تحت عنوان الفقر والحاجة والآن الدولة تتجه إلى مساعدتهم وتوفير شتى أنواع المساعدات لهم. سيماهم في وجوههم فهم يعيشون حالة من العزة والكرامة. على رغم الحاجة المفرطة وغير العادية لا يمدون يدهم ليطالبوا بل لا يمدون أيديهم ليأخذوا ما يقدم إليهم من إعانات شخصية من الجيران والأهل ويشعرون بالمهانة.
تعيش هذه العائلة في خَرِبة لا تحميها من برد الشتاء ولا من حرارة الشمس، وليست ملكها ومهددة في أية لحظة بالطرد. عاشت حالة مزرية إبان موسم الأمطار فالبيت بكل مرافقه لا يعزل عنها المطر. وقتها كانت الأم تضع طفلة رضيعة، وتنتقل بها من بقعة إلى أخرى لتحميها من البرد ومن مياه الأمطار التي تغزوها في بيتها، وعندما طلبت منها عنوان المنزل فؤجئت أن الجهاز المركزي للمعلومات - سامحه الله - قد كتب في العنوان رقم الفيلا (الخربة) التي تعيش فيها وهي لا ترقى إلى أن نسميها مسكنا أو منزلا أو بيتا لافتقاده العديد من أسباب السكن والاستقرار والأمان، فتصل بنا المبالغة إلى حد أن تسمى الخربة «الفيلا». وتنتظر حلمها بأن يتحقق من خلال الحصول على بدل السكن المقدر بـ 100 دينار بفارغ الصبر وطلبها في الإسكان من سنة 1993 أي منذ 13 سنة تقريبا وتأمل في أن تحصل على بدل السكن بأثر رجعي لا أن يُنسى طلبها في وزارة الاسكان كما فعلت وزارة التنمية به، وتعيش على آمال تحسين الأوضاع المعيشية، فهل يا ترى سيكون لهذه الأسرة نصيبٌ أم أن المعايير ستخذلها كما خذلت العديد من الحالات؟ وكأن المعايير هي الأصل.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1694 - الخميس 26 أبريل 2007م الموافق 08 ربيع الثاني 1428هـ