رعت كلية امرسون الثلثاء قبل الماضي حدثا للترويج لـ «أميركا على مفترق الطرق»، وهو سلسلة من الأفلام الوثائقية عرضت الأسبوع الماضي على محطة PBS للتلفزة تحلل التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة اليوم في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول.
شاهد جمهور صغير من طلبة كلية امرسون وأعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية مقتطفات من حلقتين وثائقيتين عرضت الأولى صورة عن شخصية المسئول السابق في وزارة الدفاع الأميركية ريتشارد بيرل وهو من دعاة الحرب على العراق، الشريط الثاني قدّم صورة عن «الإخوان المسلمين».
بعد العرض مباشرة شارك كل من الصحافي في مجلة «النيوزويك» مارك هوزنبول ومن صحيفة «القدس» عبدالباري عطوان ومركزها لندن وريتشارد بيرل في جلسة حوار قامت بإدارتها مقدمة البرامج السابقة في محطة ABC للتلفزة والأستاذة الزائرة في كلية امرسون كارول سيمبسون.
الحوار ركز على الموضوعات الباهتة نفسها التي طالما صرفت الانتباه عن الطرح الجغرافي السياسي منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001: «لماذا يكرهوننا؟» هل هناك تناغم بين الإسلام والديمقراطية، لماذا غزت الولايات المتحدة العراق؟ كيف يمكننا الخروج من هناك؟ ماذا نفعل بإيران؟
تبدو هذه الأسئلة للوهلة الأولى شرعية وتستحق التفكير المعمّق. إلا أنها في واقع الأمر تحبسنا ضمن نموذج زائف نتجاهل من خلاله أسئلة أكثر حيوية وخطورة قد تقدم حلولا أكثر ابتكارية وإبداعا لأهم المشكلات التي تواجه الإنسانية.
الطرح الحقيقي لعالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر ليس هو في الحقيقة عن العراق أو إيران أو تغيير الأنظمة أو جورج بوش أو أحمدي نجاد. الأشخاص والأماكن والسياسات جميعها عرضية ونتائج لقضايا أكثر اتساعا وعمقا. سبب غزو الولايات المتحدة للعراق وما إذا كانت على حق في القيام بذلك ليست بحد ذاتها ذات علاقة.
حل نسيج الشرق الأوسط، على رغم تسريعه نتيجة للاحتلال بدأ قبل سقوط القنابل على بغداد بفترة طويلة، قوامها أربع سنوات تحديدا، وقبل أن يقوم تسعة عشر رجلا بتحويل طائرات إلى صواريخ موجهة في الحادي عشر من سبتمبر، وقبل أن يحلف جورج بوش أول يمين كرئيس للولايات المتحدة قبلها بتسعة شهور.
هجمات «القاعدة» على الأراضي الأميركية كانت، طبعا، لحظة ذات أهمية تاريخية. كانت الثمرة المرّة التي حان قطافها لنبتة كانت تنمو عبر عقود من الزمان، تملك قوة كافية لتدفع البشر في كل أنحاء العالم نحو إطار فكري جديد.
كان أمام الولايات المتحدة خياران للرد: ترك الأمور الاعتيادية على حالها، تلك الوطنية المتوحشة التي تشعل نارها الرغبة بالثأر النابعة من التقوى الداخلية والتي طالما حبست الحضارة داخل دائرة عنف عبر آلاف السنوات، أو نوع جديد من السياسة الجغرافية التي تغير بشكل أساسي الأسلوب الذي تتعامل فيه الأمم مع بعضها بعضا.
الأمر الشائن هو أن إدارة الرئيس بوش اختارت الأسلوب الأول واستمرت في تنفيذ ميراث من الدمار طالما أصاب التطور الاجتماعي عبر آلاف السنين.
التصرفات الأميركية في الشرق الأوسط تعمل على إدامة الرؤية الزائفة بنزاع فردي واحد عبر الحضارات؛ (الإسلام ضد الغرب)، بينما الواقع أن هناك نزاعين اثنين عبر الثقافات، واحد داخل المجتمعات غير المسلمة وآخر داخل المجتمعات المسلمة، كلاهما نضال من أجل الهوية. الأسئلة الحقيقية التي يجب أن نطرحها على أنفسنا هي: هل سنترك المجال للتطرف، الديني أو السياسي أو غيرهما للسيطرة على الأجندة؟ كيف يمكننا تمكين المعتدلين ليكونوا أقوياء وفي الوقت نفسه عادلين؟ كيف نتفاوض بشأن النزاع من أجل المصلحة المتبادلة؟
لا يهم ما إذا كانوا «هم» يحبوننا «نحن» أم لا. الأهم هو ما إذا كان الطرف «الآخر» مقتنع بنفسه واحتمالاته ومجتمعه.
علينا أن نعمل من أجل يوم يحترم فيها البشر من كل الخلفيات بعضهم بعضا. ويعبّرون عن استعداد لحل المشكلات المشتركة، ولا يتأثرون، باستثناء ذلك، ببعضهم بعضا. يجب على البشر في العالم العربي المسلم أن ينشغلوا بأمورهم الخاصة بدلا من أن يستهلكهم غضبهم أو حبهم للولايات المتحدة.
المحزن أن تاريخا طويلا من القمع، منذ الحقبة الاستعمارية وعبر الحكم الاستبدادي، قزّمت ما كان يمكن أن يكون تعبيرا ذاتيا عربيا نشطا. هذه الدول تفتقر للمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسة التي تسمح بالتفكير الحر الإبداعي في المجال العام، والذي من دونه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية.
ليس من العجيب إذا أن يشعر البعض بأنهم مضطرون لتحويل طاقاتهم غير المستخدمة تجاه الإرهاب، فإحباطات الغير تؤدي بهم إلى الشعور باللامبالاة والقبول بالوضع الراهن.
وعلى رغم أن الرعب السائد في العراق يزيد من صعوبة الأمر فإنه يجب على الولايات المتحدة، وهي تستطيع أن تفعل ذلك، أن تلعب دورا بناء في مساعدة العالم العربي على تحقيق إمكاناته، أولا عن طريق احترام مُثُله الديمقراطية الخاصة به وثانيا عن طريق التقليل من الكلام كثيرا. وأقصد بالنقطة الثانية فعليا: التوقف عن إلقاء المحاضرات بشكل متغطرس على الدول الأخرى، ورمزيا: إيقاف السياسات العدوانية التي تؤدي في النهاية إلى إفشال جهود الولايات المتحدة والأمن العالمي. بدلا من ذلك نحن بحاجة لطرح أسئلة تسعى إلى فهم وجهات نظر الآخرين ومن ثم الإنصات إلى إجاباتهم. نحن نقوم حاليا بطرح الأسئلة، ولكنها أسئلة لا تنتج إلا إجابات نرغب نحن بسماعها.
ولا يختلط الأمر عليك بين عدم الكلام وعدم المشاركة. الاستماع النشط يتطلب تركيزا مماثلا، إن لم يكن أكثر مما يتطلبه فرض الرأي. من خلال طرح الأسئلة الصحيحة يمكننا التوصل إلى تفهم مشترك يمكن أن يؤدي، بجهود كبيرة وصبر إلى حلول مشتركة لكلمات مفعمة بالغضب والإحباط والإذلال، وهي بعيدة كل البعد عن أسطورة ما بعد الحرب الباردة التي حطمتها هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
* طالب صحافة بكلية امرسون في بوسطن، مساشوزيتس والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1694 - الخميس 26 أبريل 2007م الموافق 08 ربيع الثاني 1428هـ