العدد 1693 - الأربعاء 25 أبريل 2007م الموافق 07 ربيع الثاني 1428هـ

النعيمي... من غربة المنافي والقلب لا يسعه الوطن

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

حينما تكتب عن «أبو أمل»، فإن الموقف يفرض عليك الترفع عن صغائر الأمور التي تتناولها بعض الأعمدة في الصحافة المحلية بشأنه، أن تتعالى على التزلف والأحاديث اليابسة ذات الألوان الباهتة. لماذا؟ هذا شأن يصعب على البعض إدراكه وتقديره. لماذا؟

لأنها حكاية تجد تفاصيلها في تجربته «أبو أمل» النضالية والإنسانية التي يستوجب الخوض في شئونها إلى عدة الصدق والصبر والتأني والحكمة وتنفس الصعداء، لا عدة الغوغاء والثرثرة. حينما تكتب عنه، حتما، تحتاج لمغادرة عالمك الضيق الصغير الذي يدب فيه الكساد، إلى عالم حدوده تتجاوز أزمنة «تجربة عمل سياسية مبتورة وفاشلة» انزلقت بأقدام صاحبها إلى عالم «المديح والتبجيل»، ثمة ما تحتاجه لتكون في أتون عالم مغاير استثنائي تسكنه المعاناة والقهر، عالم تطأه كل يوم أقدام المناضلين الذين يمثلون أرقاما صعبة التفكيك في أوطانهم كما «عبد الرحمن النعيمي»! لماذا هو مناضل؟ ولماذا هو أيضا رقم صعب؟

هذا أمر قد لا يُدرك بيسر وسهولة، حتى يكون المرء وسط المعمعة التي يخوضها يوميا «أبو أمل»، ويفتح مغاليق أقفالها بمفاتيح التحدي والإصرار، وهو غالبا ما يتركك حينها عند حافة فطنتك الإنسانية لتكون أمام اختبار صعب مع ذاتك، لتدرك حقيقة نفسك، وخبايا الأمور من حولك. فقضية القضايا عنده ببساطة وأريحية، تلك التي يستوجب على من يكتب عنه أن يستحضرها، وهي ليست سرا مدفونا في عالم السياسية وأساليب النضال والمقاومة، لا، بل إنها تكمن بوضوح لا لبس فيه في أسلوب حياته، حينما توسط جمهوره المحتشد في خيمته الانتخابية، وكشف عن دفتر حسابه وذمته المالية في ظاهرة جديدة على مجتمعنا، بدءا من «سيارة التويوتا» التي وصفتها لي إحدى المرفهات قائلة: «تعجبت انه يقود سيارة كحيانة»! لا لوم عليها بالطبع، وهي التي ترى الزعماء والقادة السياسيين هذه الأيام يركبون «المرسيدس واللكزس...». وهي - أي قضية القضايا - التي لا تنتهي عند المبالغ المتواضعة الشحيحة التي كان يتلقاها نظير عرق جبينه وجهده وعصارة خبرته ومعرفته الحياتية والسياسية في كتابة عموده الأسبوعي، تلك التي ضنت عليه بها إحدى الصحف المحلية، ليس بخلا منها إنما ثمة أمل في «تكسير العظم»، وعظم «أبو أمل» لا يلين. أقول عنها «شحيحة»، في الوقت الذي يقبض البعض لقاء «التفاهات» التي تلون الصحف اليومية «الآلاف» المؤلفة من الدنانير.

هنا تبدأ الإشكالية، وتتفجر المعضلة، ويصير الفهم عسيرا عند البعض، لاستيعاب رمزية الرقم الصعب الذي يمثله الرفيق «أبو أمل»، وتتمثله معه أسرته ورفاقه ورفيقاته. هنا لا تقوى بعض الأقلام على فك هذه الرموز، فتلجأ إلى ابتسار رحلته مع المنفى، وغربة العبور إلى الوطن، والمرض، وتخضعها لمعاييرها ومقاييسها، وهي في الأصل لا تتطابق، لا تتواءم مع معايير ومقاييس مدرسة «أبو أمل» النضالية. نعم، لرفيق الدرب «النعيمي» مدرسة نضالية متنقلة أسسها في المنفى وانتشرت فروعها في الوطن، في قلوب وعقول كثر من تلاميذه وتلميذاته، الذين هم أبناء وبنات الوطن، دروسه بسيطة لا يلقنها عبر اجترار الخداع والتزلف، دروسه تعلمها من معاناة الضعفاء والمقهورين ومن بصمات الشهداء في الزنازين ومن أنات المعتقلين ووسط العمال، وخاضها مع المناضلين العرب الأحرار، يعلمها لمن حوله عبر المحاكاة كأسلوب تربية نضالية عبر سلوكياته وبساطته ونظافة يده وقلبه، وترفعه عن «هوى النفس ومغريات الحياة والمجالس وأرصدة المصارف»، فمن رغب بفك رموزه، ليتأمل في فصول هذه المدرسة النضالية ومناهجها، فهي بحد ذاتها موسوعة بحاجة إلى تفكيك وتمحيص، إذ فيها يمكنك تأمل خطاباته الوطنية والفكرية وتصريحاته السياسية، ومواقفه والتمعن في أطروحاته. لست بحاجة لتكون تابعه ولا مريده ولا مادحه ولا حتى خصمه لتفعل ذلك، فقط تعرّف على مدرسته لكي ترتقي بما تكتب، وتدرك طبيعة منهج هذه المدرسة النضالية التي تعتمد المعرفة و»الحقيقة» مصدرا من مصادرها، فضلا عن التحرّر الفكري والعلمي الذي يمثل منطقها، وتعرف أمرا آخر بأنها مدرسة تتواصل بذكاء في خبراتها السياسية وتحترم الميول وحاجة الإنسان إلى حرية التعبير والتركيز على التقارب والتبادل في الرأي عوضا عن التنافس والتنافر، وتعترف بالآخر المختلف وتحترمه، وتنشد النقاء ووحدة الإنسان وتجرده من درن الظلم وداء الطائفية والبغضاء، وهي مدرسة لتأهيل الساسة الحقيقيين والمناضلين والمناضلات، أصحاب المبادئ والأخلاق والعدل، أهم ركائز التغيير والارتقاء.

ينسب إلى أمين معلوف قول في رواية الجذور: «غيري قد يتحدث عن «الجذور»...تلك ليست مفردتي، فأنا لا أحب كلمة «جذور» لأنها تتوارى في التربة، تتلوى في الوحل، تنمو في الظلمات، تُبقي الشجرة أسيرة منذ ولادتها، وتغذيها لقاء إبتزاز: «لو تحرَّرتِ، تموتين!»، هنا أيضا، يمكن تلمس درس من دروس مدرسة «أبو أمل» في هذا القول، بيد إنه يعبر عنه بالسلوك، فهو الذي لا يتوارى خلف جذوره ولا أصله ولا فصله. لا يتغذى على الابتزاز، ولا يأكل من فتات الموائد، بل يمكنك النظر إليه كما ذكرت، وإن شئت، عبر مدرسته، تحديدا عند أقدامه التي وضعها بثبات في الدرب، وسار باتجاه عالم الفقراء والمظلومين، وبين دروب الأحرار، عشاق الحرية والحق والعدل «لأن العدل أساس الحكم»، متنقلا بتلاميذه وتلميذاته من درب العبودية إلى الحرية، خلافا لمن تشبث بالجذور والظلمات والظلم والزيف. وطريق النضال عنده له بداية، وله أيضا منعطفات وصعاب في كل الاتجاهات، وانتماءاته مفتوحة الذراعين على السماء، تقابل الحياة دوما بالتفاؤل والحب والأمل والشجاعة والصدق والمبادرة والإقدام، والإيمان بالأرض والإنسان، ذلك ما يجعل من رفيقنا «أبو أمل» الذي يصارع السقم هذه الأيام بأشكاله وبعيدا عن الضوضاء، يمثل رقما صعبا في عقلنا الجمعي، وشخصية «فذة» وأسطورة من أساطير الوطن!

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1693 - الأربعاء 25 أبريل 2007م الموافق 07 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً