العدد 1693 - الأربعاء 25 أبريل 2007م الموافق 07 ربيع الثاني 1428هـ

العنف... ناموا ولا تستيقظوا!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أذاعت الـ «بي بي سي» ظهر أمس الأول (الثلثاء)، خبرا من القدس المحتلة عن طعن طالبٍ عربي لزميله بالسكين، على إثر نزاع بينهما. وأفاد مراسل الإذاعة أن هذه السلوكيات جديدة على الوسط الطلابي في المدينة المحتلة، مرجعا الأسباب إلى كثرة ما يتعرض له المواطن الفلسطيني من قهر وقمع ومواجهات مع جنود الاحتلال.

هذا عن الوضع الفلسطيني النازف منذ ستين عاما، إلاّ ان «العنف» أصبح ظاهرة عابرة للحدود في عصر «العولمة»، وهي حقيقة يجب تمييزها قبل الذهاب بعيدا في توزيع الاتهامات الجاهزة ذات الرائحة الطائفية، والبناء عليها في عملية تضليل للذات.

هذه الظاهرة يساهم في إفرازها عدة عوامل، اجتماعية واقتصادية وسياسية، وعلينا أن نعرف نحن في البحرين ما هي هذه العوامل «المحلية»، لنفكر بعدها في العلاج، مع إني أخشى أن الوقت أصبح متأخرا جدا، بعد أن تراكمت النصال على النصال!

الحلول التي تطرح في بعض الندوات والبرامج التلفزيونية تنحو منحى تنظيريا مترفّعا، تنظر إلى المشكلة من فوق، وتقترح «الحلول» المعلّبة التي طرحت قبل عشرين عاما ولم تُفعّل، ويظنّونها خشبة الخلاص لجيلٍ مهمّشٍ يشعر بمزيدٍ من التهميش والإقصاء في وطنه، ولذلك أخشى أن الوقت قد فات.

من أسهل الأمور أن تنظّم ندوة أو برنامجا تلفزيونيا أو تحقيقا صحافيا تستحصل فيه على إدانةٍ واضحةٍ لأعمال العنف من عدد من المثقفين والكتاب والناشطين، ولكن ماذا بعد هذه الحملات؟

ليس هناك من يقف مع أعمال العنف، ولكن العمل بهذه الطريقة يصبح أقرب لعملية تضليلٍ مبرمجٍ، تصرف الأذهان عن الأسباب الكامنة وراء موجات الاحتجاج الوجودي لدى تلك الفئة من الشباب، مهما يكن عددها محدودا. دعونا نفهم أولا... بل اسمحوا لأنفسكم بفهم ما يجري، فالظاهرة أكبر وأخطر.

ما يحدث دليلٌ فاضحٌ على فشل الدولة العربية الحديثة في احتضان أبنائها، ولملمة شتات مكوناتها البشرية المتعددة، بل وتورّط بعضها في تمييز فئاتٍ ضد أخرى، على مستوى الخدمات والامتيازات والوظائف... مما يثير مزيدا من النقمة وحالات الرفض والاحتجاج. المشكلة عربية بامتياز، فليس هناك دولة عربية بمنجاةٍ منها، من مصر إلى المغرب والجزائر والسودان والعراق ولبنان وسورية... وحتى دول الخليج. من هنا فإن تقزيم القضايا يصبح تضليلا عن معرفة الأسباب العميقة.

لن نتناول الأسباب الاقتصادية والسياسية المباشرة، ولكن علينا أن نبحث عن الأسباب الأكثر عمقا، من تربيتنا وتعاملنا مع أبنائنا، ونحكّم ضمائرنا، فإذا حصلنا على صكّ براءةٍ، فلنلعن حينئذٍ الجيل الجديد.

لنعترف أننا كجيل آباء، عاجزون عن تربية أبنائنا، مهما تسلّحنا به من معرفة أو فلسفات أو ادعاءات فارغة. المدرسة اليوم لا تعطي الطالب غير معلومات، أبناؤنا لا يتلقون التربية في أحضاننا، وإنما في أحضانٍ أخرى، أهمّها البث التلفزيوني المتواصل والشبكة العنكبوتية للمعلومات. وهو ما يفسّر انتشار موجات العنف في الدول العربية من دون حاجةٍ إلى تنظيمات، وما ضربها من تفجيرات وعمليات انتحارية.

الطفل اليوم يتشرّب قيم العنف من أفلام الكارتون، ومن ألعاب الديجيتال العنيفة،. اقترب من طفلك وهو منهمكٌ في الـ «بلاي ستشين»، وراقب غرامه بإطلاق النار، وتلذذه بالقتل وتدمير السيارات والمباني والأشخاص. تربيةٌ دموية قائمة على تمجيد العنف، وغيابٌ شبهُ تامٍ للآباء. ثم تعالوا لتعيدوا علينا حلولا أكل الدهر عليها وشرب: إنشاء أندية لإشغال أوقات الفراغ! كم أنتم بحاجةٍ إلى مَنْ يوقظكم من السبات!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1693 - الأربعاء 25 أبريل 2007م الموافق 07 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً