استهل مسرح أوال مهرجانه المسرحي الثالث مساء الأحد الماضي بعرض لمسرحية «سبع ليالي». المسرحية التي ألفها راشد المعاودة، وتم عرضها لأول مرة مساء الثالث من يوليو/تموز 1971، لم يستمر عرضها طويلا، فقد تعرّضت للمنع آنذاك، واقتيد المؤلف والمخرج إلى السجن.
في العامين التاليين، هاجرت المسرحية إلى الكويت وسورية للعرض في فضاء أرحب من فضاء البحرين الخارجة توا من قبضة الاستعمار إلى مرحلة الاستقلال عن بريطانيا.
بعد 36 عاما، أعيد عرض المسرحية في الصالة الثقافية، التي غصّت بجمهورٍ كبير. لا أدري كم من الحضور سبق أن حضر العرض الأول، ويبدو أن عددا من المثقفين والمهتمين لا يزيد على أصابع اليدين حضر العرضين، بينما كانت الغالبية من جيلٍ لم يشهد تلك المرحلة ومخاضاتها.
المسرحية تتناول فترة الحرب العالمية، وما مرّت به البحرين من معاناةٍ وعسرٍ وبلاء. ففي بلدٍ صغيرٍ يعتمد اقتصاده على الزراعة وصيد اللؤلؤ، ويخضع لإحدى القوى الاستعمارية المتورّطة في الحرب، كان عليه أن يدفع الثمن من قُوْتِه ولقمته.
الجانب الآخر هو الناحية الاجتماعية، حيث يكشف البلاء معادن الناس، فتلقي الحرب بظلالها على العلاقات فتفكّكها وتعمل على تدميرها، مع بروز نزعات الجشع والاستئثار واستغلال حاجة الجياع بأبشع الصور. فهناك تجارٌ يحتكرون قلال التمر في مخازنهم ويمنعونها عن الفقراء وأطفالهم ونسائهم. وعندما يقوم أحدهم بتوزيع التمر من أجل مآرب أخرى غير شريفة، فإنه يختار التمر الذي تولد فيه الدود لطول مكثه في المخازن حتى تغير طعمه.
المخرج قدّم مشهد الجياع وهم يلتقطون التمر على خلفية ضوئية تتراءى من ورائها ظلالهم وهم يتصارعون على التقاط التمر المتساقط على الأرض والمختلط بالتراب. ذكّرني هذا المشهد بما رواه الوالد (ره) عن تلك الحقبة، إذ كانت الأمهات تلفّ لأطفالهن تمرة واحدة ليمصوها طوال النهار حتى تجف ولا يعود لها طعم.
المسرحية تعرض مشاهد من حياة ذلك الجيل، الذي كان ينتزع لقمته ولقمة عياله بمشقةٍ من تربة المزارع والحقول، ومن أعماق البحر، فلا تخرج اللقمة إلاّ بعد أن تتقرح أيديهم من ضرب المعاول وشد الحبال، وتذوب من ملوحة ماء البحر. أعمال «سخرة» واستعباد، على يد النواخذة الجفاة الغلاظ، وكل من يعترض تلعب على ظهره السياط.
المؤلف نثر في المسرحية شخصيات زادتها غنى وتنوعا، المجنون الذي يدخل البيوت ويفضح الشخصية التي كانت تكتنز «الذهب الأحمر» و«الفضة البيضاء»، بينما تضرب المجاعة أرجاء الوطن. المتسلقون على آلام الفقراء. المثقّف الحالم بالتغيير السلمي الهادئ، الذي يحلم بوطن خالٍ من المظالم والآلام والجوع. فقراء يقلّبهم الجوع بين الذلة والاستجداء، فإذا زادت جرعة المهانة عادوا إلى الثأر لكرامتهم المستباحة. والمرأة التي فقدت عقلها عندما اختُطِفت ابنتها وظلّت تحلم بعودتها، تحمل دمية وتحدّثها عن قرب مجيء فارس الأحلام على فرسٍ أبيض، لتقيم لها عرسا تلحم به كل الفتيات... «سبع ليالي وليلتين وليلة...»، وتأخذها يوم العرس إلى عين بوزيدان حيث يغتسل العرائس والعرسان.
وأخيرا... شيخ الدين الذي يأمر الناس بالمعروف وعدم التعرّض لأولياء النعم، ولا ينهى أصحاب الثروة عن ظلم العباد، لأن منزله مليء بقلال التمر، فيما يعيش غالبية الشعب في مجاعةٍ ظلت أصداؤها تتردّد في صدور الآباء سبعين عاما... حتى وهم يحتضرون على فراش الموت.
الجوع كافر، والظلم ظلماتٌ تتجدّد مع تجدد المطامع وسياسات الاستئثار على مرّ الزمان... وتتردد معها أصداء صرخة السيّاب التي تفجّرت حمما في منفاه: ما مر عامٌ في العراق ليس فيه جوع!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1692 - الثلثاء 24 أبريل 2007م الموافق 06 ربيع الثاني 1428هـ