الخطوة الجريئة الخامسة جاءت حين جرى تعيين كارلوس غصن رئيسا للعمليات في «نيسان» العام 1999. كانت الشركة منهارة وعلى وشك الإفلاس، وهو مآل طبيعي لشركة في مثل تلك الحال. بعد 18 شهرا، عادت «نيسان» إلى نقطة الصفر وأصبحت خلال سنوات قليلة صانع السيارات الأكثر ربحا في العالم. انضم غصن إلى «نيسان» في يونيو/ حزيران 1999 بصفته رئيسا للعمليات، وأصبح رئيسا للشركة بعد سنة واحدة، وتولى في العام 2001 منصب الرئيس والمدير العام التنفيذي. كان رئيس العمليات في شركة ميشلين في البرازيل قبل أن يصبح رئيس العمليات في شركة رينو ومن ثمَّ يتولى زمام شركة نيسان في ربيع 2005، أصبح المدير العام التنفيذي للشركة الأم لـ «نيسان»، أي رينو، فيما استمر في تولي منصب المدير العام التنفيذي لـ «نيسان».
وكانت «نيسان» في العام 1999 في حاجة إلى خطوة جريئة خارج إطار الثقافة اليابانية التقليدية، كانت في حال يرثى لها، غارقة في ديون تصل إلى 22 مليار دولار. باختصار كانت على وشك الإفلاس. فقد أظهرت معظم المؤشرات موقف الشركة الحرج: انخفاض المبيعات في كل الأسواق وخصوصا في اليابان حيث تدنت بنسبة 30 في المئة خلال 3 سنوات، أصبحت نماذج «نيسان» قديمة وأمست صورة «نيسان» باهتة فقلّت قدرة إنتاج السيارات بنسبة مليون سيارة تقريبا، وعانت خسائر متلاحقة وكلفة غير موجهة، الخ... كما باءت كل خطط الإصلاح التي أطلقت في التسعينات بالفشل، إذ كانت تصطدم بالتقاليد اليابانية وخصوصا تقليد العمل لمدى الحياة، ما يحرّم أي صرف للعاملين أو إغلاق للمصنع وخصوصا «نظام كيرتسو» القائم بين «نيسان» وعدد من الشركاء والممولين ذوي الامتياز ولو على حساب مصلحة «نيسان» الاقتصادية.
وأبرمت شركتا نيسان ورينو في مارس/ آذار 1999 اتفاق تحالف. وقد أكدت الدراسات الأولية قدرة هذا التحالف، إذ ان قوة الصانعين متكاملة، ففي حين تخرج «رينو» من خطة صارمة لخفض الكلفة وتتمتع بحال مادية ممتازة مع أن مبيعاتها محدودة خارج أوروبا، تقتصر سوق «نيسان» على اليابان وأميركا الشمالية وتتمتع هي الأخرى بمؤهلات عظيمة في الصناعة، وبالتالي إذا نجح التحالف فسيجدي نفعا لكلا الطرفين إلا أن المخاطرة الكبرى تقع على عاتق «رينو» التي تسدد 33 مليار فرنك فرنسي في مقابل 8.36 في المئة من رأس مال «نيسان»، ما يعني أن أي فشل لـ «نيسان» سيكون بمثابة الضربة القاضية لـ «رينو»، وممّا يصعب من نجاح هذا التحالف اختلاف الحضارة اليابانية التي تعتمد على الشك في طرق الإدارة الأوروبية. ولكن إقامة مثل هذا التحالف وفي فترة قصيرة نسبيا، كانت تحتاج إلى خطوة جريئة غير تقليدية.
وسجل العام 2001 نجاحا مذهلا، وقدمت «نيسان» نتائج قياسية وبدأ المصنع يجني الأرباح التي وصلت إلى نحو 9.7 في المئة وهي أعلى نسبة سجلت بتاريخ «نيسان» وتقلصت الديون إلى أقل من 4 مليارات دولار، وكثرت المبيعات وأضحى سير العملية في أفضل مستوى له.
وكان غصن هو السبب الحقيقي وراء الثورة الصناعية في «نيسان». حين تسلم مهماته كان الموظفون قد فقدوا الثقة بشركتهم. ومع ان الغالبية بذلت جهدا كبيرا إلا أن النتائج لم تكن على القدر المطلوب، وكان كل فريق يضع الملامة على الآخر ولكن الوضع تغير جذريا بعد 3 سنوات إذ أضحى كل شخص يشعر بمسئولية تجاه انجاز المهمات الموكلة إليه.
وقام غصن لتعبئة معاونيه بتنفيذ مبدأ الالتزام بحذافيره وفق القاموس الداخلي للكلمات الرئيسية: «إن الالتزام هو هدف يجب تحقيقه». ويتم دعم هذا الهدف بمعطيات رقمية وما إن نتعهد بتنفيذه، ما من أمر يعوق تحقيقه سوى الحوادث الخارجة عن سيطرتنا، وفي حال عجزنا عن التنفيذ يتوجب علينا تحمّل العواقب. «تعتمد طبعا» الكثير من الشركات على مبدأ الالتزام إلا أن قلة منها تعتبره إلى هذه الدرجة بمثابة وعد يُلزم المدير خصوصا.
تبرز مثالية غصن ركيزة أساسية للثورة الثقافية في «نيسان» فما إن أعلن خطة الإنعاش حتى أخذ على عاتقه ثلاثة التزامات بسيطة:
1 - عودة الأرباح ابتداء من السنة الأولى لوضع الخطة في العام 2000.
2 - خفض نصف الديون حتى العام 2002.
3 - هامش تشغيلي يتخطى 5.4 في المئة حتى العام 2002.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1692 - الثلثاء 24 أبريل 2007م الموافق 06 ربيع الثاني 1428هـ