هناك أزمةٌ إسكانيةٌ كبيرةٌ، من أبرز مظاهرها عجز البحريني اليوم عن شراء قطعة أرض، فضلا عن امتلاك منزل يؤويه.
هذا الوضع المتأزم، يفتح الباب للاجتهادات «المتطايرة»، وآخرها اللجوء إلى «الحزام الأخضر». وهو للعلم حزامٌ يتعرض منذ سنوات للتآكل والغارات الليلية، في ظل عدم وجود قانون يحفظ الأراضي العامة لصالح جميع طبقات الشعب.
طبعا الحزام الأخضر ليس بدعة اخترعناها نحن البحرينيين، وإنما هناك منظماتٌ دوليةٌ ورأيٌ عامٌ عالمي متنوّر، يتبنى الحفاظ على البيئة، تحت عنوان منطقي: «نحن لا نملك غير هذا الكوكب للسكن فيه». ومن هنا برزت جماعاتٌ من رحم المجتمع للدفاع عن قضايا البيئة بوصفه خيارا استراتيجيا، لا ينبغي تركه للساسة فقط ليحدّدوا وحدهم مصير بقية سكان الأرض. هذه الحركات الشعبية انبثقت عنها «أحزاب الخضر» التي خاضت معترك السياسة حتى حصلت على موطئ قدم في عدد من برلمانات العالم.
نحن في البحرين كان لدينا درجةٌ من الوعي بالموضوع، حتى في ظلّ غياب البرلمان، انعكس على قرار حماية «الحزام الأخضر»، مع أنه عبارةٌ عن مساحاتٍ زراعيةٍ متفرقةٍ هنا وهناك.
هذه الرقعة الزراعية البسيطة أصبحت مطمعا للطامعين، إذ حصل بعض المتنفّذين على غنائم منها، (بساتين ومزارع...)، تم قطع الماء عنها في عملية إبادةٍ زراعيةٍ منظّمة، ودخل فيها عنصر أكثر فظاعة باستخدام السموم للإسراع في الإجهاز عليها. وهكذا تم تحويلها في خرقٍ فاضحٍ للقانون، إلى مخططات وبيعها بالجملة على سماسرة الأراضي، الذين تولّوا بيعها على بقية المواطنين، فتحوّلت إلى مادة دسمة للمضاربة، وبالتالي الارتفاع الجنوني في أسعار الأراضي بمعدل عشرة أضعاف في أقل من عشر سنوات.
اليوم، هناك بقعٌ صغيرةٌ متفرقةٌ هي كل ما تبقى من «الحزام الأخضر»، ومع ذلك أصبحت مادة للمساومة والمناورة، وتحوّلت في الفترة الأخيرة إلى كرةٍ يتقاذفها «البلديون» المنتخبون ومسئولو «وزارة البلديات» البيروقراطيون، والخاسر الأكبر هو الوطن.
الغريب في الأمر، أن الوزارة التي يُفترض أن تكون المدافع الأكبر عن البيئة والحزام الأخضر، هي من يتصدّى اليوم لتصفيته! وهي نقطةٌ سوداء ستسجل في تاريخ الوزارة، وستحسب خطأ شخصيا فظيعا على سعادة الوزير الحالي، الذي قبِل -كما يبدو- بتصفية ما تبقّى من أراضٍ زراعية، من صميم مسئوليات وزارته المحافظة عليها للأجيال المقبلة. ودعونا نتكلم بصراحة ومباشرة، فالقضية قضيةٌ وطنيةٌ كبرى لا تحتمل المجاملات.
البلديون من جانبهم قد يكونون تحت الضغط الشعبي والتطلع إلى تحقيق أيّ إنجازٍ للناس، قد يلجأون إلى استغلال هذه «الذبيحة» لإسكات بعض الأفواه، ولكنها طريقة تفكير خاطئة، لن نجني منها كبلدٍ غير البوار.
كان من المفترض على البلديين، والنواب من باب أولى، أن يفكّروا في البدائل، وحسنا فعل بعض النواب الجدد بطرح مسألة الأراضي الموهوبة، كونها مدخلا صحيحا لعلاج الأزمة الإسكانية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من وضع، خصوصا أنها مشكلةٌ وطنيةٌ لا تدخل فيها تعقيدات المِلَل والنِحَل... والطوائف والحساسيات.
عندما نتحدّث عن البدائل فنحن لا نتحدّث عن فراغ، فنحن نعيش في أرخبيل مكوّن من 33 جزيرة، ولا نسكن غير أربع جزر فقط، وإذا كانت هناك بعض الجزر المغلقة، فماذا عن بقية الجزر؟ وهذا التساؤل أصبح يدور في المجالس والمنتديات وعلى ألسنة الناس.
فكّروا بطريقة تعمير الصحارى التي نجحت فيها بعض دول الجوار، وليس بتصفية المناطق الزراعية المتبقية، فالكثافة السكانية تتركّز في بعض المحافظات، وفي شكل شرائط ساحلية على أطراف البلاد شرقا وغربا وشمالا، فلماذا لا تطرحون تعمير جنوب البلاد؟
أما طرح شعار «الحدائق الوطنية الكبرى»، فمع كونه شعارا جميلا يدغدغ المشاعر... إلاّ أنه حلٌ مخادعٌ مثل كبسولة «البندول»، ولا ينبغي اللجوء إليه إلاّ باعتباره «آخر الدواء الكي».
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1691 - الإثنين 23 أبريل 2007م الموافق 05 ربيع الثاني 1428هـ