ثمة شكوك واسعة تقول أن من تسبب في الإفلاس الاكتواري للهيئة العامة لصندوق التقاعد هو الإدارة السابقة بكل أخطائها، ولم يكن للمؤمّن عليهم نصيب في ذلك وبالتالي فليس من المقبول تحميل المؤمّن عليهم تبعات هذا الإفلاس بينما يترك المتسبب الحقيقي الذي ارتكب تجاوزات مالية وإدارية أدّت إلى هذا الإفلاس.
وكنا في الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين نرفض - ولا نزال - اقتراحات الخبير الاكتواري التي أوصى فيها بإلغاء خمس سنوات المضافة من صندوق التقاعد للموظفين المحالين على التقاعد الإلزامي المبكر بسبب سياسات الخصخصة، كما كنا نرفض أن يتحمل العمال أعباء العجز المالي من خلال رفع الاشتراكات.
وحريٌّ بالسلطة التنفيذية محاسبة المسئولين عن هذه الخسائر في أموال الصندوق بدلا من تحميل المؤمّن عليهم أعباء إضافية تضر بحالتهم المعيشية وتصادر مكتسباتهم.
ولكي لا تصبح الخصخصة «موضة» بعد ضغوط البنك والصندوق الدوليين لإعادة جدولة ديون الدول النامية، فإننا كنا ولا نزال ننادي بضرورة التريث في مشروعات الخصخصة منذ العام 2003م الذي أحيل فيه 32,5 في المئة من الموظفين المحالين إلى التقاعد بسبب إلغاء الوظيفة، وهو ما يساوي 985 حالة نتيجة لخصخصة بعض القطاعات منها المواصلات والبلديات.
كما كنا ننادي بضرورة أن يكون للسلطة التشريعية دور في وضع قانون ينظم عمليات التخصيص يشترك في صياغته جميع أطراف الإنتاج وينص على تشكيل مجلس أعلى للخصخصة يقوم بوضع السياسات والضوابط الخاصة بالمشاريع التي يراد تسليم إدارتها للقطاع الخاص بدلا من النظام الحالي الذي يعطي مجلس الوزراء ووزير المالية بناء على اقتراح مجلس التنمية الاقتصادية وضع السياسات والضوابط، ويتجاهل الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بصفته الممثل الشرعي والوحيد لجميع عمال المملكة.
فالخصخصة بصورتها الحالية لم تستطع أن تستثمر رأس المال الوطني في المشاريع التي تخلت الدولة عن بنائها أو إدارتها، بل كانت كل الشركات أجنبية وبرأسمال لا يخدم الاقتصاد الوطني وتقلصت نسبة العمالة الوطنية في الشركات الجديدة، وهو الأمر الذي أثير في دول عربية كمصر مثلا، إذ كانت أكبر المساوئ حسب أحد المهتمين المصريين هي الآثار الاجتماعية التي ترتبت على عملية الخصخصة مثل تسريح العمالة، وعدم توفير فرص عمل بديلة وعدم التفكير في استخدام حصيلة الخصخصة في مشاريع إنتاجية تفتح مجالا لفرص عمل جديدة، وعدم استخدام حصيلة الخصخصة في أعمال بنية أساسية تفتح المجال لإقامة مشروعات جديدة.
والأمر نفسه يحسب في البحرين، فالأرقام توضح مدى تراجع العمالة الوطنية في المشروعات التي تم تسليمها إلى القطاع الخاص، وهي تثبت أن الخصخصة لم تؤتِ ثمارها المرجوة بل أصبحت تشكل عبئا إضافيا على نسبة العمالة المواطنة، ولم يتم الحفاظ على حقوق ومكتسبات العاملين، فمحطة الحد مثلا لإنتاج الكهرباء والماء كان يعمل بها 204 موظفين قبل التخصيص يمثل المواطنون فيها 80 في المئة، وقد تقلص العدد إلى 106 موظفين يمثل المواطنون فيها 40 في المئة فقط، أي أن عدد البحرينيين تقلّص من 160 إلى 40 فقط.
أما الموانئ فقد تم إحالة 600 موظف إلى التقاعد المبكر بسبب خصخصة قطاع الموانئ البحرية إلى شركتين أجنبيتين، وظفت الشركتان منهم 350 بحرينيا فقط، وتقلّص هذا العدد إلى 250 بسبب الضغوط التي تمارسها الإدارة، أي أنه استقال 100 شخص خلال عام كان آخرهم مدير نوبة قدم استقالته قبل شهر بسبب الضغوط، وكانت نسبة البحرنة قبل التخصيص 100 في المئة أصبحت 85 في المئة بسبب توظيف أجانب لدى الشركة الجديدة.
ومحطة العزل لإنتاج الكهرباء التي تم السماح لشركة تراكيبل البلجيكية وشركة الخليج للاستثمار الكويتية ببنائها، يوجد بها 19 مواطنا فقط أي بنسبة أقل من 50 في المئة من مجمل العمالة في المحطة.
ونشير هنا إلى أن البحرين سمحت للشركات الأجنبية بالتملك والإدارة من دون ضوابط بينما في الدول التي كانت رائدة في مجال الخصخصة كبريطانيا وأميركا تضع الضوابط التي تحكم عملية التخصيص لشركات من خارج البلد، حيث يذكر الكاتب المصري عبدالحافظ الصاوي أنه في إنجلترا في العام 1986 اعترض مجلس العموم البريطاني على زيادة حصة الحكومة الكويتية في ملكية شركات البترول البريطانية «برتيش بترليوم» على الرغم من أن الحكومة الكويتية في ذلك الوقت اشترت الزيادة في حصتها من خلال البورصة، لا من خلال صفقة بعينها، ومع ذلك أجبرت الحكومة الكويتية على بيع هذه الزيادة في حصتها مرة أخرى.
وتابع الجميع الضجة التي أثيرت بشأن شركة موانئ دبي العالمية في العام 2006م من قبل الكونجرس ومجلس الشيوخ الأميركيين في ما عرف بصفقة موانئ دبي في السوق الأميركية حيث تم إلغاؤها.
فلماذا لا يتم تهيئة القطاع الخاص في البحرين بشكل يحفظ التوازن العام للوجود الأجنبي في الاقتصاد الوطني، بحيث يكون دور الاستثمارات الأجنبية مساعدا وليس أساسيا لبناء الاستثمارات؟
إن الخصخصة قد تأتي بنتائج عكسية في بعض القطاعات كقطاع الكهرباء وهو ما حدث على المستوى العالمي، ولكي تتضح الصورة لفشل تخصيص قطاع الكهرباء فإن الكاتب حسين شقراني من لبنان ينقل عن عدة مصادر دولية وعربية بداية خصخصة القطاع، والنتيجة التي آلت إليه حيث بدأت في تشيلي في العام 1973، ثمّ في بريطانيا في العام 1990، ليكونا نموذجا لتخصيص هذا القطاع قبل أن تظهر الآثار السلبية بعد عقود، بعد أن ارتفعت الأسعار ارتفاعا حادا، وفشلت البرازيل حين باعت هذا القطاع العام 1995 لمستثمرين أجانب واضطرت الهند إلى إعادة شراء قطاع الكهرباء بعد ارتفاع مستوى التعرفة بسبب الخصخصة وواجهت كاليفورنيا عجزا تصل قيمته إلى 37 مليار دولار، بالإضافة إلى ارتفاع تعرفة الكهرباء بعد عقد من خصخصة القطاع، وكذلك ارتفعت تعرفة الكهرباء في كندا 13 ضعفا مع حلول بداية الألفيّة الثالثة، واضطرّت الحكومة إلى التدخّل لدعم المستهلكين عبر حسومات وصلت قيمتها إلى 2.3 مليار دولار، وفرض حدّ أعلى للأسعار، وفي أستراليا تراجع عدد الوظائف إلى نسبة تفوق 60 في المئة، ألا يجدر بنا في البحرين أن نتريّث بعد هذا في تخصيص هذا القطاع المهم والحيوي، وخصوصا أننا نعيش في أجواء شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب من كل عام بشكل لا يسمح لنا بالاستغناء دقيقة واحدة عن الكهرباء والماء؟
لو حاولنا التعرف على خطة البحرين الاستراتيجية للخصخصة فإننا لن نجد غير قانون الخصخصة الذي صدر بمرسوم بقانون رقم 41 لسنة 2002 بشأن سياسات وضوابط الخصخصة، ولم يمرر عبر البرلمان ويغفل الطرف العمالي كما أنه يعطي مجلس الوزراء ووزير المالية والاقتصاد الوطني حرية وضع السياسات والضوابط الخاصة بعد أخذ رأي مجلس التنمية الاقتصادية، ويحوي القانون بنودا عامة ليس فيها ذكر لحق العامل سوى المادة السابعة البند رقم 3 الذي يقول عن العائد المالي عن عمليات الخصخصة (تمويل إعادة تأهيل العاملين في المشروعات التي تمت خصخصتها، وتسوية حقوقهم المالية) وهو الأمر الذي يتم تجاهله عند تخصيص أي منشأة.
أما نظام الخدمة المدنية رقم 202 الخاص بالتقاعد الإلزامي المبكر بسبب إلغاء الوظيفة فهو يجبر الموظف الذي قضى عشر سنوات في المنشأة المراد خصخصتها على التقاعد الإلزامي، ويعطى عشر سنوات خدمة إضافية خمس من وزارته وخمس تضاف من صندوق التقاعد، كما يعطى راتبا عن كل سنة، وهو قانون متخلّف بالمقارنة مع دول الجوار إذ إن مشروع بقانون بشأن الخصخصة الذي يتم تداوله في الكويت يشترط أمورا كثيرة مهمة منها ضمان حقوق العمالة الوطنية وتشكيل مجلس أعلى للتخصيص وضرورة وجود سهم ذهبي للدولة لإعطاء الدولة قدرة تصويتية تمكنها من الاعتراض على قرارات مجلس الإدارة، حماية للمصلحة العامة وألا تقل مدة عقده عن خمس سنوات، مع الحصول على المزايا المالية والمرتب السابق، والمشاركة في ملكية المشروع بالحصول على أسهم الشركة.
ويعطي القانون اليمني للخصخصة المزايا نفسها للعاملين الذين يتم تخصيص منشأتهم حيث تنص المادة 26 منه على بقاء العاملين لمدة خمس سنوات بنفس المزايا مع الشركة، بينما لا يوجد ذلك في القانون البحريني ولا يتعدى القانون تسع مواد لم تطرح على البرلمان ويمكن للشركة أن تتخلص من الموظف في اليوم الأول الذي تستلم فيه إدارة المؤسسة من الحكومة.
من هذا المنطلق فإننا نرفض تحميل العاملين تبعات السياسات الخاطئة للتخصيص، وكذلك أخطاء الإدارة السابقة لصندوق التقاعد حيث كانت وصية الخبير الاكتواري هي إلغاء خمس سنوات التي تضاف من صندوق التقاعد، وهو ما حدث فعلا مؤخرا حين أصدر ديوان الخدمة المدنية في 1 يوليو 2009م نشرة عن برنامج التقاعد المبكر الإلزامي لموظفي الخدمات والأنشطة التي يتم تخصيصها أو إسناد خدماتها إلى القطاع الخاص، فقد تم من خلال النشرة التي أصدرها الديوان إلغاء العشر سنوات الإضافية في حالتين هما: عند تحويل الخدمات الحكومية إلى شركة تكون مساهمة الحكومة فيها بنسبة لا تقل عن 50 في المئة وعند تحويل الخدمات الحكومية إلى شركة تكون مساهمة الحكومة أقل من 50 في المئة.
وتم إلغاء إضافة خمس سنوات الإضافية من صندوق التقاعد عند تحويل الخدمات الحكومية إلى شركة تكون مملوكة إلى القطاع الخاص بالكامل
إقرأ أيضا لـ "هاشم سلمان الموسوي"العدد 2536 - السبت 15 أغسطس 2009م الموافق 23 شعبان 1430هـ
ضعف الاتحاد
يا بوهاشم لو كان الاتحاد قويا لما اقدمت الحكومة على الغاء السنوات الخمس الممنوحة لأجل التخصيص. ولكن حفاضا على مصالحكم - اقصد مصالحهم في الاتحاد - الفئوية والخاصة فقد تم التنازل عن الكثير من حقوق العمال. لذلك يحب أن يرتفع شعار اصلاح الاتحاد أولاً.