اشتدت الأزمة بين الصحافيين العراقيين من جهة والسياسيين من جهة أخرى بعد عملية السطو على مصرف الرافدين في منطقة الكرادة بوسط بغداد والتي أدت إلى مقتل ثمانية من حراس المصرف وسرقة نحو خمسة ملايين دولار أميركي.
وتوترت العلاقة بين الطرفين بعد أن بدأ صحافيون عراقيون (مستندين في ذلك إلى تصريحات حكومية وتفاصيل الكشف عن الجناة ومكان إخفائهم للمبلغ المسروق) باتهام «إحدى الجهات السياسية النافذة» بالوقوف وراء تلك الجريمة، خصوصا بعد أن أعلنت الحكومة أن قائد العملية هو أحد الضباط في فوج حماية نائب الرئيس العراقي عادل عبدالمهدي، وأن المنفذين اعترفوا بتنفيذ نحو 80 عملية إجرامية منها 30 سياسية.
وهكذا تصاعدت نار الخلافات الصحافية بوقود سياسية، ففي الوقت الذي حمل فيه صحافيون وصحف عراقية بعضها يمثل الحكومة، أحزابا سياسية وميليشيات حزبية تبعات عمليات إجرامية لم تكشف خيوطها حتى الآن، عمد الشخص المعني بالاتهامات عادل عبدالمهدي إلى التعامل بحصافة وهدوء مع كل ما قيل، لكن الحصافة هذه خانت آخرين من نفس الحزب الذي ينتمي إليه عبدالمهدي، وهو المجلس الأعلى الإسلامي، بعد أن حول بعض سياسييه حرب الاتهامات من دهاليز الخبر والمقال إلى المنابر الدينية وبدأوا يتهجمون على الصحافيين ويشككون في ولائهم للوطن والوطنية.
خرج أمس الأول (الجمعة) مئات الصحافيين العراقيين في شارع المتنبي وسط بغداد احتجاجا على تهديدهم، وضد محاولات الحكومة للحد من الحريات الصحافية، بسبب ما قيل قرب إصدار قانون يحظر فيه مواقع على الإنترنت تعدها الدولة منافية لأخلاق المجتمع، وأيضا حجب مواقع وصفتها وزارة الثقافة بأنها «تحرض على العنف في العراق وتهدد وحدته الوطنية». وهي مبررات لطالما سمعها الصحافيون مع كل محاولة حكومية لحجب المعلومات وتقييد الحريات.
لقد أثبت قصر بال بعض السياسيين وعدم تحملهم للكلمة والرأي أن الحريات في العراق مازالت مهددة، خصوصاَ بعد الإعلان عن محاولات لإحياء قانون المطبوعات والمنشورات الصادر في العام 1968 ليطبق في العام 2009، وهو قانون يحاسب بعقوبات مختلفة كل من يخرق أي بند من بنوده.
قبل حادثة المصرف والتهديدات التي رافقتها، ومحاولات الحكومة لفرض قوانين مقيدة، كان يحلم الصحافيون العراقيون بمرحلة جديدة من إطلاق الحريات استعداداَ لتحويل الصحافة إلى سلطة رابعة فاعلة لا يهددها إرهابيون أو مجرمون قتلوا نحو 300 صحافي وصحافية منذ احتلال العراق. ومن حقهم (الصحافيين) ذلك، أليس العراق يعيش تحسناَ أمنياَ هو الأول منذ العام 2003 وحتى الان؟، لكن يبدو أن للحرية ثمنا باهظا كما يقال، وأن لها أعداء دائمين لا تهمهم كلمة حرة أو رأي شجاع، وهم (أي الأعداء) موجودون في كل زمان ومكان حتى وإن اختلفت أسماؤهم وعناوينهم أو تبدلت مواقعهم بين السلطة والمعارضة
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2536 - السبت 15 أغسطس 2009م الموافق 23 شعبان 1430هـ