تعيش تونس هذه الأيام على وقع الاحتفالات بذكرى عزيزة على نفوس التونسيين جميعا: الذكرى 21 للتحول المبارك الذي أقدم عليه الرئيس زين العابدين بن علي يوم 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 1987.
ومثلما يحتفل التونسيون بالداخل بهذا الحدث التاريخي، يحيي أبناء الجالية التونسية في مملكة البحرين الشقيقة، التي تربطها بتونس وشائج قربى ضاربة في القدم، هذه الذكرى المجيدة التي تكتسي معاني ودلالات عميقة.
ذلك أنه، وفق رؤية متناغمة مع تطلعات التونسيين ومتغيرات الفضاء الدولي، تواترت، على مدى العشريتين الأخيرتين، الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المدروسة والمتأنية، التي استهدفت الارتقاء بتونس إلى مصاف الدول المتقدمة مع التركيز على الرفع من مستوى عيش الإنسان التونسي باعتباره غاية كل جهد تنموي.
الإصلاح: عمل يومي يهم جميع المجالات والقطاعات
فعلى الصعيد السياسي، ركز التمشي الإصلاحي الرئيس زين العابدين بن علي على تعزيز أركان النظام الجمهوري وتجذير الخيار الديمقراطي. فتم تكريس مفهوم المواطنة وضمان التعددية السياسية وتعزيز حرية الصحافة واستقلالية القضاء. كما اهتمت تونس بإثراء منظومة حقوق الإنسان ضمن مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كسلة متكاملة من الحقوق.
ومن منطلق الوعي بمتطلبات بناء الاستقلال الحقيقي والمناعة الفعلية، شكل الإصلاح الاقتصادي محورا مركزيا ضمن سياسة تونس التنموية وفق تمش تنموي متبصر يؤمن بأن التنمية مستديمة أو لا تكون.
فتتالت الإجراءات الرامية إلى إصلاح الاقتصاد التونسي، من حيث الارتقاء بقدرته التنافسية وتنفيذ برامج طموحة للتأهيل الصناعي وإرساء تشريعات تحفز على المبادرة الخاصة وتشجيع الاستثمار في كل القطاعات ولاسيما في القطاعات المجددة والواعدة. ويتجلى تطور الاقتصاد التونسي من خلال ما شهدته سنة 2007 من مؤشرات إيجابية، رغم التقلبات المناخية وارتفاع أسعار المحروقات وتذبذب سعر العملات، حيث سجلت نسبة النمو الاقتصادي ارتفاعا ملحوظا من 5.5 في المئة سنة 2006، إلى نحو 6.3 في المئة سنة 2007، وهي أعلى نسبة تم تسجيلها خلال العقد المنقضي.
كما تعززت ثقة المستثمرين الأجانب في مناخ الاستثمار في تونس بفضل السمعة الطيبة التي يحظى بها الاقتصاد الوطني لدى عدة هيئات دولية وإقليمية.
حيث أثبتت الأزمة المالية العالمية الراهنة صواب خيارات الرئيس بن علي ونجاح مشروع التغيير في الحفاظ على سلامة البلاد واستقرارها وتحقيق تطور تنموي مطرد. ذلك أن تونس تتبوأ اليوم مكانة مرموقة على الصعيدين الإقليمي والدولي تعكسها جل التصنيفات والتقارير الصادرة عن المنظمات والمؤسسات الدولية المتخصصة.
فعلى سبيل المثال، تحصلت تونس على المرتبة الأولى في إفريقيا والمرتبة 30 على المستوى العالمي في مجال القدرة التنافسية الاقتصادية (تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول القدرة التنافسية 2006 - 2007). كما احتلت تونس، بحسب التقرير نفسه، المرتبة الأولى في المغرب العربي وفي إفريقيا والمرتبة الثانية في العالم العربي والمرتبة 34 على المستوى العالمي في مجال القدرة التنافسية لقطاع السياحة والأسفار.
وانعكس ذلك على أرض الواقع في عدد المشاريع الضخمة التي هي قيد الإنشاء حاليا، ومن أبرزها مدينة «بوابة المتوسط» و»المدينة الرياضية» اللتين تشرف على تنفيذهما مجموعتا «سما دبي» و»بوخاطر» الإماراتيتان. وذلك باستثمارات تقدر بـ 30 مليار دولار.
إضافة إلى ذلك، فقد تم الشروع في إنجاز المنطقة الصناعية بالنفيضة التي تحتوي على مطار جديد ينتظر أن تبلغ طاقة استيعابه سنة 2020 ما يقارب 20 مليون مسافر سنويا. بالإضافة إلى مرفأ مياه عميقة ينتظر أن يشهد حركية كبرى سيما في ضوء دخول اتفاقية التبادل الحر بين تونس والاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ. وينتظر أن تلبغ تكلفة إنشائه 1.4 مليار دولار أميركي.
وتوجد تونس في مراتب متقدمة بحسب تقرير البنك العالمي بشأن مناخ الأعمال وتقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية عن التنمية البشرية وكذلك تقرير المنظمة العالمية للشفافية. وقد تمكنت تونس، بفضل هذه الإصلاحات، من إرساء نموذج تنموي متميز يقوم على التلازم الوثيق بين الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية للتنمية.
فبالإضافة إلى تكريس المسار الديمقراطي وتحسين المؤشرات الاقتصادية، وضعت تونس سياسة اجتماعية رائدة تحققت بفضلها مشاركة كافة فئات المجتمع في مسيرة التنمية دون إقصاء أو تهميش. وفي هذا الإطار، تم إيلاء عناية خاصة للمرأة والطفولة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة.
كما عملت تونس على تكريس مبدأ التضامن بين مكونات المجتمع كافة والارتقاء به من مفهوم أخلاقي إلى قيمة دستورية. لذلك استحدثت عدة هياكل، ما انفكت تثبت نجاعتها، على غراء الصندوق الوطني للتضامن 26 - 26 وبنك التضامن والصندوق الوطني للشباب 21 - 21. وقد مكنت هذه السياسة من بلوغ مستوى نمو اجتماعي متميز شمل جميع الشرائح الاجتماعية، إذ توسعت الطبقة الوسطى في المجتمع لتشمل ما يزيد عن 80 في المئة من إجمالي عدد السكان، مقابل تقلص نسبة الفقر إلى 3.8 في المئة. كما تعززت القدرة الشرائية للمواطن بفضل ارتفاع الدخل الفردي الذي تضاعف 4 مرات عما كان عليه سنة 1987. ويتوقع أن ترتفع نسبة التغطية الاجتماعية في موفى سنة 2009 إلى 95 في المئة وذلك عبر مواصلة استهداف الفئة المتبقية خارج مظلة التغطية.
وقد ساهم هذا الرصيد من الإنجازات والإصلاحات في تهيئة تونس لمجابهة استحقاقات الانخراط في مسار العولمة وتأمين أسباب اقتدارها على الإيفاء بالتزاماتها في إطار التعاقدات مع الدول الشريكة ومع المجموعات الإقليمية، على غرار اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي دخل حيز التنفيذ يوم 1/1/2008، كأول اتفاق من نوعه يبرمه الاتحاد الأوروبي مع دولة من دول جنوب المتوسط.
السياسة الخارجية: حضور وإشعاع
وعلى صعيد آخر، تنتهج تونس في علاقاتها الخارجية سياسة متوازنة تتسم بالتفتح والاعتدال والتمسك بالشرعية الدولية، كما تعمل على نصرة قضايا الحق والعدل وتكريس قيم التضامن والتآزر.
وفي هذا السياق، دعت تونس إلى اعتماد مدونة سلوك لمكافحة الإرهاب اعتمدتها عديد اللقاءات الإقليمية والدولية. فضلا عن دعوة رئيس الجمهورية لإحداث صندوق عالمي للتضامن ومكافحة الفقر وإعلان يوم 20 ديسمبر/ كانون الأول من كل سنة يوما دوليا للتضامن الإنساني.
وفي إطار العمل على تعزيز التضامن الرقمي طرحت تونس عديد المبادرات الدولية وفي مقدمتها عقد القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي احتضنتها بلادنا في نوفمبر 2005. وتنظيم الملتقى الدولي حول «تكنلوجيات الأعلام والاتصال في خدمة التربية» في جوان 2008.
وانطلاقا من وعيها بالطابع الكوني لظاهرة الانحباس الحراري وغيرها من الظواهر المضرة بالبيئة، وإيمانا منها بضرورة توحيد الجهود وتعبئة كل الطاقات من أجل مجابهة هذا التحدي الكبير، بادرت بلادنا بتنظيم «الندوة حول استراتيجيات مجابهة التغيرات المناخية في إفريقيا والمتوسط» بتونس في نوفمبر 2007 وتوجت هذه الندوة بالمصادقة على خطة عمل للتضامن الدولي إزاء التقلبات المناخية بإفريقيا والمتوسط.
ووفق هذه الرؤية، تضطلع تونس بدور نشيط في محيطها الإقليمي والدولي، حيث تحرص على تعزيز علاقاتها الثنائية مع الدول الشقيقة والصديقة في محيطها القريب والبعيد على حد سواء.
العلاقات التونسية البحرينية
تتميز العلاقات بين تونس ومملكة البحرين الشقيقة بالمودة والإخاء والعراقة، وهي علاقات راسخة ومتينة قوامها الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة والرغبة في الارتقاء بالتعاون الثنائي إلى مراتب الشراكة الحقة، بما يستجيب للإرادة السياسية الثابتة لقائدي البلدين، الرئيس زين العابدين بن علي وأخيه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
وتجسيدا لهذه الإدارة، شهدت العلاقات الثنائية التونسية البحرينية تطورا ملموسا في عدة مجالات. فضلا عن تعزيز مضامين التعاون الفني ليشمل، زيادة عن قطاع التعليم، مجالات جديدة على غرار الصحة والبنوك والكهرباء والمحاسبة، حقق حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفاعا ملموسا سنة 2007.
كما تعزز حجم الاستثمار المباشر بين البلدين في ضوء تعدد فرص الشراكة والاستثمار. وفي هذا السياق نشير، على سبيل المثال، إلى مشروع مرفأ تونس المالي الذي سيشرع في تنفيذه، قريبا، بيت التمويل الخليجي بقيمة 3 مليارات دولار. وتتطلع تونس إلى مزيد من تدعيم جسور التعاون بين رجال الأعمال البحرينيين والتونسيين، وذلك للاستفادة من إمكانات استثمار وشراكة في البلدين، على غرار الفرص الجمة التي يتيحها المخطط الحادي عشر للتنمية في تونس (2007 - 2011) سواء في قطاعات الإنتاج التقليدية، أو في الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية على غرار صناعة البرمجيات والخدمات المالية والاتصالية والإعلامية والخدمات الموجهة للمؤسسة.
وفي هذا الإطار، تمثل الدورة المقبلة للجنة العليا المشتركة التونسية البحرينية المزمع عقدها، قريبا، فرصة لتحيين عدة اتفاقيات ثنائية في شتى المجالات واستكشاف المزيد من فرص الشراكة والاستثمار.
تحل الذكرى الحادية والعشرون للتغيير والعالم يشهد تغيرات وتحولات متسارعة تحمل في طياتها عددا من التحديات والرهانات الحالية والمستقبلية. لذلك راهنت تونس على شبابها حتى يكون مؤهلا لحمل المشعل وقيادة البلاد في المراحل المقبلة. فقد أذن رئيس الدولة أن تكون سنة 2008، سنة الحوار مع الشباب وتوج هذا الحوار بصياغة ميثاق شبابي يحدد الثوابت والخيارات الكبرى التي يعمل الشباب التونسي من أجل تكريسها بما يعكس تطلعاته، ورؤيته للمستقبل ويحدد القيم المشتركة التي تمثل حافزا له لصنع مستقبل واعد تأكيدا لمقولة أن الشباب هو الحل وليس المشكل.
إقرأ أيضا لـ "خالد الزيتوني"العدد 2254 - الخميس 06 نوفمبر 2008م الموافق 07 ذي القعدة 1429هـ