خبرٌ محزنٌ وكئيبٌ الذي قرأناه على الصفحة الأولى من صحيفة أمس، كأنه نذير شؤم: «أخيرا... لا حزام أخضر»!
الخبر يتحدّث وكأن لدينا حزاما أخضر كما لدى الناس الآخرين. ما لدينا يا جماعة بقيةٌ من حزام أخضر صغير، شاءت الأقدار أن يظل شاهدا على خطأ سياسة الأراضي طوال عقود طويلة، أدّى إلى تدهور الرقعة الزراعية بحيث لم تعد تغطّي غير جزءٍ محدودٍ من الحاجات الغذائية. كما أنه سيظل دليلا وشاهدا على أن الوعي العام يسير إلى الوراء، ففي الوقت الذي دفعت الزراعة ثمن خطأ السياسات الحكومية السابقة، سنكون شاهدين على خطأ السياسة الجديدة في الإجهاز على ما تبقى من حزام أخضر، وهذه المرة على أيدي نواب وبلديين انتخبهم الشعب، فضلا عن الدوائر «الخاصة» في وزارة البلديات.
العالم كله يتجه إلى الاهتمام بالحزام الأخضر، ليس من باب الترف والبذخ، وإنما باعتباره ضرورة حياتية وصحية للسكان، حتى في البلاد المترامية الأطراف، فما بالك ببلدٍ صغيرٍ لا تتجاوز مساحته أكثر من 700 كم مربع، مكتظٍ بعشرات الآلاف من السيارات التي تضخ كميات ضخمة من غاز ثاني أكسيد الكربون.
لن يكون الحل في الإجهاز على ما تبقى من الحزام الأخضر، فنحن أمام أزمةٍ إسكانيةٍ مستعصية، يرفدها معدل النمو السكاني المرتفع من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى سياسة التجنيس غير العقلانية وغير المعقولة، التي أضافت زيادة 10 من السكان في ظرف ثلاث سنوات فقط، وسط سكوت وتواطؤ جهات متعددة تجمعها المصالح أو قصر النظر.
اليوم يبدو أن هناك مخططا يستهدف من رقعة خضراء صغيرة في البلد، بعد الانتهاء من بيع البحر بالجملة، وأخشى أن يتم استغلال ما أثير أخيرا من قضايا الممارسات غير الأخلاقية في بعض «الحوط» للإطاحة بما تبقى من «الحزام الصغير». وفي هذه الحال تتحوّل القضية إلى عملية «كيدية» تصل إلى درجة استغباء الجمهور. والدعوة إلى إزالة الحزام الأخضر بحجة وجود «بعض الحوط» تمارس فيها الرذيلة أشبه بدعوة حرق منزلٍ يوجد فيه فأرٌ يقبع تحت سريرٍ في غرفة الأطفال.
لسنا بحاجةٍ إلى التذكير بأن هذه التجاوزات غير الأخلاقية (ونحن لا ندافع عنها إطلاقا)، لا تقتصر على بعض الحوط، فهناك حوطٌ كثيرة ذات أشكالٍ وأنواعٍ أخرى متعدّدة. أشياء تسمى «شقق مفروشة» وأخرى «غير مفروشة»، وهناك أماكن أخرى صغيرة وكبيرة، بعضها له ثلاث أو أربع أو خمس نجوم. ثم إن هناك أشياء راقية تسميها بعض المصادر الصحافية المهذّبة «مناهل»! ثم إن هناك عصابات صغيرة وكبيرة يتم القبض على جزء يسير منها بشكل شبه يومي، وتُعرض صور بعض «الناشطات» في العمل في هذا العالم تحت الأرضي... وهكذا فإن جردة «الحوط» ستكون طويلة... إذا بدأتم بالحوط الصغيرة التافهة، فيجب أن تكون همتهم عالية في محاربة بؤر الممارسات غير الأخلاقية ولا تتوقفوا إلاّ عند النجوم!
الغطاء التبريري الذي يراد به تغطية هذه السوءة، جريمة اغتيال ما تبقى من حزام بيئي صغير، هو الترويج إلى «مساعٍ لإنشاء حدائق وطنية ضخمة ومشروعات إسكانية»، وهي عملية دغدغة لمشاعر جمهور يعيش أزمة معيشية كبرى، بحيث لم يعد يملك أملا في الحصول على خدمةٍ إسكانية في بلاده، وأصبح عاجزا حتى عن امتلاك قطعة أرض. والترويج بهذه الطريقة لـ «مشروعات إسكانية»... لن يكفي لإقناع نملةٍ للتخلي عن جحرٍ صغير!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1690 - الأحد 22 أبريل 2007م الموافق 04 ربيع الثاني 1428هـ