الجائع لا يقبل نصيحة الشبعان أبدا، لأنه يشعر دائما وأبدا أن هذا الممتلئ الذي يعرف طعم كل شيء عدا طعم الجوع لا يمكن له أن يتحسس طلقة من طلقات خواء البطن، لذلك تصبح النصائح التي تفوح منها روائح ما لذ وطاب من الترف والبذخ ليست إلا كلاما لا يسد جوعا، ولا يروي ظمأ.

لغة الإنشاء هي أكثر ما يوجع بطون المعدمين الذين يبيتون حالمين بفضلات الأغنياء المترفين، ويصبحون على نصائح أولئك الذين لا يستطيعون مجرد تذوق أرباع موائدهم التي أتخمت منها المزابل والقطط والفئران، فكيف يمكن لهؤلاء المعدمين أن ينصتوا لنصائح أولئك المترفين؟ جزء ليس باليسير من ذلك هو واقع معاش في البحرين، إذ لا تزال الملفات المعيشية الأساسية سجينة الحلول النظرية والوعود التي لا تعدو وعودا مستهلكة سئم الناس من تكرارها، فالبطالة ومن تحت رحمتها تعبوا من مشروعات التوظيف الكثيرة التي لم تستطع حتى رفع الأجور إلى 200 دينار، فضلا عن توظيف العاطلين! والمنتظرون للوحدات الإسكانية ملوا من عناوين الصحف التي لم يبق إلا أن تعدهم بمدينة إسكانية على سطح القمر! وغير ذلك الكلام الذي لم يعد له طعم ولا رائحة!

كثير من الملفات ستلد على طريقة الأرانب والقطط ملفات أخرى، إذا لم يتم العزم بجدية على تغليب لغة العمل على لغة الوعود التي لو تحقق عُشرها لأدركنا مدينة إفلاطون!