يصعب علينا بعد كثير من الحوادث التي مرت على البحرين في العقد الماضي أن ندعي أننا نعيش في أرض الأمان التي لا يعكر صفوها شيء، فكل ما يمر علينا هنا في البحرين يجعلنا نسأل بجدية: هل هذه هي البحرين التي عهدناها؟ لماذا لم يعد بإمكاننا أن نتعرف على ملامحها الوادعة وسط كل ما يجري فيها؟
كم من الجرائم والحوادث الغريبة التي شهدتها البحرين منذ مطلع هذا العام فقط، أي منذ نحو أربعة أشهر؟ هل يمكننا أن ننسى مقتل شاب بحريني بطلقة رصاص في حادث يشبه الأفلام الهوليودية، أن ننسى جرائم المخدرات، قاتل المحرق أو قاتل سار؟ أم يمكننا أن ننسى طلبة المدارس الذين رفعوا السكاكين لينهوا شجارهم، أم العدد الهائل من الآسيويين الذين يقرر أحدهم بين يوم وآخر أن ينتحر في وسط الطريق كأنما ليضمن أكبر عدد ممكن من المتفرجين على مشهد انتحاره.
معدل الجريمة يتصاعد يوما بعد آخر، ولم نعد قادرين على أن نتلمس ملامح أرض الخلود في بحريننا بعد الآن، فالموت يحيط بها في كل جانب. ولعل جلجامش الملك السومري الذي خاض المصاعب للوصول إلى دلمون ليبحث فيها عن نبتة الخلود التي تضمن الحياة الأبدية لو كان موجودا بيننا الآن، فلن يخاطر بحياته للوصول إلى أرض يتسابق الآسيويون على الانتحار فيها. ولعله سيشكر الحية التي سرقت نبتة الخلود منه بعد أن غاص في البحر بحثا عنها، ولما حزن على عودته لبلاده - بلاد ما بين النهرين - خائبا بعد أن اكتشف أن الخلود أمر مستحيل، وأن أي نبتة من أي أرض في الدنيا ليست كفيلة بأن تضمن له البقاء، حتى لو كانت من أرض دلمون/ البحرين.
ما الذي حصل في البحرين إذا، لتشهد هذا المعدل المرتفع من الجرائم الغريبة عليها وعلى أهلها الطيبين؟ ومتى نلتفت للتغيير الذي يحصل فينا جيلا بعد جيل، ليجعلنا ببساطة لا نستغرب كثيرا أن يرفع الصبية السكاكين، أو أن نعالج مشكلاتنا بالعنف، فهو محيط بنا في كل شيء نراه، ولا يجد أيا منا بديلا له غير مجاراته.
في الدول الكبرى حيث المساحات الشاسعة والمدن الكبيرة، يعرف الناس أن معدلات الجريمة ترتفع غالبا في العواصم، أو المدن الكبيرة المفتوحة التي يقيم فيها الأجانب، وكلما زاد عدد الأجانب تنوعا واختلافا، ارتفع معدل الجريمة وتنوعها، وفقدت تلك المدينة شيئا فشيئا هويتها الخاصة. فإذا اقتربت من المدن المنعزلة التي لا يقطنها الكثير من الأجانب، يمكنك أن تجد أمانا أكثر، وأن تتلمس الهوية الحقيقية للبلد.
أما في البحرين، ولأن البلد صغيرة أصلا ولا مجال للفصل بين مناطقها، فقد انتشرت موجة الجرائم بسرعة في أجزاء المجتمع وأثرت حتى على أهله، حتى صرنا نتساءل بعد كل حادث غريب على مجتمعنا كافة: ماذا بعد؟
لعل أكثر ما يميز تاريخ البحرين القديم هو أنها اعتبرت يوما أرضا للحياة والموت معا.
فعلى رغم أنها كانت تلقب بأرض الحياة، فإنها ضمت على أرضها أكبر مقبرة تاريخية في العالم. ومن يدري ما الذي كان جلجامش سيفعله لو قرر أن يستوطن أرض دلمون سعياَ للبقاء، لعله انتحر هو الآخر.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1688 - الجمعة 20 أبريل 2007م الموافق 02 ربيع الثاني 1428هـ