العدد 1688 - الجمعة 20 أبريل 2007م الموافق 02 ربيع الثاني 1428هـ

الشعوب العربية والأكليشيهات الدبلوماسية

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

لم يكن الأمر عبثا لفظيا هاذيا، أو إسقاطا من خيال مكروب، وتنفيس ذات مغتربة، حينما ذكرنا في مقالنا السابق بأن الدبلوماسيات العربية في غالبها الساحق لا تأت في وقتنا الحاضر إلا بلون الهاوية، كما أن ادعاءات الواقعية السياسية لا تحمل من الواقعية إلا التشابه الحرفي، فهي وقوعية سياسية بلون التراب إن دق التعبير، ونال كثير من الصحة، فما أكثر الأدلة والقرائن والحجج البليغة والناطقة في مهدها، والتي تدفع بصحة هذا الجزم لا الادعاء أو الترافع!

وبالطبع ليست وحدها قصص موائد التطبيع الصهيوني التي تجمع سفراء «عربا» و»مسلمين» بأقران وقرينات صهاينة مهما اختلفت جنسياتهم وهوياتهم الإثنية واللغوية إلا أن موقعهم وطموحهم الإمبريالي الوظيفي يحتل منهم موقع الروح النزيلة في أبنية الجسد.

فلهم سيرهم ومدوناتهم المروية عن تطرفهم ونفاقهم العنصري ضد كل ما هو عربي ومسلم وسامي، فكيف إذا يقبل سفراء «عرب» و»مسلمون» مجالسة أمثال هؤلاء وتبادل الأحاديث المعسولة معهم، وإطلاق التمنيات الوردية بعودة جميع يهود أو صهاينة العالم، وهو خلط ومزج واضح وتعميم جائر بين عنصري اليهودية والصهيونية، وذلك إلى العالم العربي والبلاد العربية، وهو أكثر استخفافا وسخرية بذكاء الشعوب العربية والمسلمة، والذي إن دل على شيء فهو إما جهل سطحي فاضح لا يليق بعقول دبلوماسية، أو تواطؤ مخزٍ متورط في حرب المفاهيم والمصطلحات الغارقة بها دول المنطقة والعالم!

من يمثلون السفراء والدبلوماسيون بذلك؟!

وإن كان كل ذلك جميعا باسم الدبلوماسية والتمثيل الدبلوماسية، فما هي وظيفة الدبلوماسية المتعارف عليها أصلا في مختلف الأدبيات؟!

أليس التمثيل الدبلوماسي يقتضي تمثيل جميع مصالح والبلد المواطنين في الخارج؟!

وألا يجب أن يكون ناطقا باسم تلك الشعوب العربية المعارضة في أغلبيتها الساحقة أي دعوة طائشة وحديث سخيف ملقى من أجل مغازلة التطبيع مع الكيان الصهيوني؟!

هل إذا التطبيع يصب في مصلحة الدول العربية، ومنها البحرين على وجه الخصوص، أم في مصلحة إطالة العمر الوظيفي لأنظمة الغنيمة العربية حتى تحقق أفضل العمالة والخدمة للقوى الامبريالية الأميركية وذراعها الصهيوني الوظيفي؟!

هل غاب عن من يجر هذه العربة الدبلوماسية «أم زبرة» الفاخرة والمتأنقة بروتوكوليا، إن كان يقرأ التاريخ أصلا، بأن البحرين كانت في يوم من الأيام من بين الخيارات الإمبريالية التاريخية المرشحة للاستيطان الصهيوني إلى جانب خيارات أخرى كأوغندا والأرجنتين، إلى أن وقع الاختيار على فلسطين آخر الأمر؟!

هل ستكون دبلوماسيتنا، والتي لا تمثل بشكل سليم روح المجتمع البحريني الحي، الآن سعيدة جدا لو وقع الاختيار حينها على البحرين؟!

هل قصرت أو اعتلت بالماء الأبيض أو الأسود تلك الأنظار الدبلوماسية «المزغللة» ببشارة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وما سيخلفه من عوائد نهضة وازدهار ورفاهية مرتقبة وواهمة؟!

ما هي عوائد المنفعة الإيجابية التي عادت على الدول المطبعة حتى تتأسى بها أنظمة دول آيلة للتطبيع مع الكيان الصهيوني؟!

مصر حصلت على المبيدات المسرطنة والسلع المسببة للعقم «كيف سيكون الحال مع النسبة المرتفعة للإصابة بالسرطان في البحرين ضمن الخليج العربي؟!»، والتي نال منها الشعب المصري شر الأذى والسوء، أو ربما اتفاقية الكويز التي عملت زادت من الصادرات المصرية إلى السوق الأميركية عوضا عن تحسينها إيجابيا كما جاء ذلك في تقارير منشورة من أعلى المستويات، هل سيكون المكسب ممثلا في شبكات «عبدة الشيطان» و»المخدرات» و»الإيدز»، أم أصناف من السفراء كالسفير الصهيوني في موريتانيا في عهد نظام ولد الطايع الساقط، والذي عكف على اللجوء إلى مغريات المال والجنس في شراء وارتهان الصحافة والصحفيين الموريتانيين على أمل تحقيق تطبيع شعبي يسند التطبيع الدبلوماسي كما نشرت حول ذلك صحف، وهو ما قوبل باستنكار موريتاني شعبي كبير.

ألا يشكل ذلك خطرا وتآمرا على الأمن القومي وإلقاء لآخر ذرة من السيادة في عباب المد الإمبريالي الأميركي ويده الصهيونية الضاربة في المنطقة؟!

هل تقتضي الضرورة السياسية والاستراتيجية أن يجلس الطرف البحريني والصهيوني وجها لوجه على مائدة واحدة، وذلك بهدف حلحلة العديد من المشاكل والأزمات العالقة؟!

فحتى لا تخنا الذاكرة الجغرافية ليست البحرين من دول الجوار المنبطح أو «المواجهة» سابقا مع الكيان الصهيوني حتى تتذرع بحجج كتلك التي تعطى أهمية خطابية ومؤتمراتية إعلانية مبالغ عنها، وما الذي سيضيفه دخول البحرين أو خروجها الدبلوماسي إلى الكيان الصهيوني من أثر على عملية السلام ومبادرتها العربية الجامعة، والتي لم يكلف الكيان الصهيوني العناء للرد عليها باحترام حسبما تتطلب ذلك الأعراف الدبلوماسية.

لماذا إذا كل هذا الانفراج والانبطاح الفاضح والواسع طالما لم يقبض هنالك أي ثمن معتبر ولو تقديرا لكل ذلك الانحناء والانبطاح على حساب الأمن القومي والمصالح الوطنية العليا التي لم تتحرر من إسار تصور المناظير الإمبريالية الأميركية والصهيونية؟!

هذه الدبلوماسية العربية إن صح القول واكتملت وريقات زهرة التعبير لا تمثل إلا نفسها المضغوطة بمطارق الضغوطات الفوقية والتبعية للخارجي الإمبريالي، ولا تمثل إلا عريها القومي والإنساني والأخلاقي.

وتلك العربة الدبلوماسية الفاخرة التي تجرها جياد التطبيع إلى أقرب هاوية لا يمكن أن تتحرك خطوة واحدة على أفضل شوارعنا البحرينية «سفلتة»، والحمد لله على ذلك!

وهي بالنهاية أداة وخيار وظيفي يمكن تلمسه في إفراطها وتفريطها بمصالح الشعب البحريني، وتجاهلها معتقلي غوانتنامو الذين لم تعلن الولايات المتحدة الأميركية «الصديقة» و»اللصيقة» أي دليل وحجة منطقية مقنعة لاعتقالهم وتعذيبهم شر العذاب من دون تقديمهم لمحاكمة حقيقية حتى هذه اللحظة؟!

فهل تحترم هذه الدبلوماسية أبناء الشعب البحريني التي يفترض انها تمثل مصالحهم؟!

هل الدبلوماسية تكمن في المآدب الحميمية، والمؤتمرات المليئة بالبسكويت والمياه الغازية، أم أنها في السعي الحقيقي لتمثيل مصالح المواطنين في الخارج؟!

أرجو أن لا أكون مثاليا جدا في السؤال الأخير حتى لا يصعق المواطن أمام وجود كليشيه دبلوماسي أنيق لا يمثله ولا يعرف عنه شيئا، وعن تصريحات دبلوماسية تسك يوميا باسمه في مصارف التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو ما ينتهك كرامته ويلطخ شرفه وشرف آبائه وأجداده!

وأتعجب من الصمت والخرس الذي أصاب بعض الجمعيات المصنفة قومويا وإسلامويا تجاه تلك «الفزعة» والوقاحة التطبيعية المفضوحة، سواء أكانت تلك الجمعيات من الصنف الذي يطيل في اشتهاء الخطر «الصفوي»، أم هي مخاليط تلفيقية قوموية وإسلاموية لم يبرز لها لون واحد حتى هذه الساعة، أم جمعيات تفتخر باحتضانها أسد القدس وحبيب فلسطين والصارم البتار، وجميعهم «هداهم الله» لم نرَ منهم إشهار أداة برلمانية واحدة حول هذه المناسبة التي يبدو أنها لم تعد ضمن الأولويات والاهتمامات، بعكس الوضع حينما تكون الكرة في ملاعب الآخرين!

حتى هذه اللحظة لم نستمع إلى أي تعليق ولم نلمس أدنى تفاعل من أية منظمات مجتمع أو حتى بطيخ مدني، والتي يبدو أنها لا تتحرك إلا بأسلوب الشعار، وبطاقة أدنى إشعار وإخطار متوقع!

يا جمعيات ويا نواب،

إذا وقعت الواقعة التطبيعية هل سينفع بيعكم الأواني القومية والإسلامية المنزلية الفارغة؟!

أم أنكم ستلجأون إلى تنظيم مسابقات أفضل الأطباق الخيرية لطرد الجوع القومي والإسلامي، وتجمعون الأدوية والمراهم للقضاء على أية حكة قومية وإسلامية متوقعة؟!

وكل ذلك يحصل ببركة جذع منخور بالفساد والانتهازية وأزهرت في أطرافه السوداء أزهار التطبيع الشيطانية لا قدر الله ذلك.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1688 - الجمعة 20 أبريل 2007م الموافق 02 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً