المناضل والرمز الوطني عبدالرحمن النعيمي وصل إلى الرياض لتلقي العلاج بعد أن ألمَّ به المرض وهو في زيارة للمغرب مطلع الشهر الجاري. القدر ربما اختار الغربة (خارج البحرين) لإعلان مرض النعيمي، ولكن الغربة كانت مصاحبة لرمزنا الوطني الذي لم يتعب يوما من حمل راية النضال والدفاع عن حقوق شعبه.
النعيمي ليس كأي فرد... فهو من قبيلة النعيمي التي تشارك في الحكم في دول الخليج، ويمتلك خلفية اجتماعية كان بإمكانها أن توفر له رغد العيش من دون الحاجة إلى أن يسير في طريق المتاعب. ولكنه كان يحمل أمل أمته أينما حل وارتحل... ناضل في صفوف القوميين العرب، وساهم في تأسيس حزب اشتراكي على مستوى الخليج بكامله، وترأس واحدا من أهم التنظيمات السياسية في البحرين، وعاد إلى البحرين وقاد تياره من داخل البحرين.
لم يكل ولم يتعب من رفع الراية التي حملها منذ أيام شبابه... مقاوما لكل الظروف والتحديات، ومترفعا على فروقات القبيلة والطائفة، ومعتبرا نفسه مِلْكَا للبحرين والبحرينيين... قد تختلف مع النعيمي في موقف من المواقف، ولكن لن تختلف على مبدئيته وعلى وقوفه مع ما يؤمن به بصلابة، واستعداده لمواصلة الطريق مهما كان شاقا.
كنت شابا عندما سمعت عنه، ثم كبرت مع الأيام وانخرطت في العمل السياسي، وكان النعيمي دائما داخل المعادلة السياسية... لم يسمح لنفسه بأن يخرج من الساحة على رغم قساوة الظروف التي مرت به في أيام غربته. التقيته في دمشق ولندن في التسعينات من القرن الماضي، وكان دائما على أهبّة الاستعداد للمبادرة بالعمل... يحمل كله على نفسه، ويطبع مقالاته وأفكاره واقتراحاته بسرعة بالغة ويقدمها إلى الآخرين.
حواراته دائما تنطلق من مبادئ قومية ووطنية وحقوقية، ويعتبر نفسه فوق الحزازات الطائفية، ولا يجد في نفسه حرجا من التعبير بوضوح شديد عن مشكلاتنا التي نمر بها. نضاله معروف في الأوساط السياسية العربية، وانطباع الجميع عنه أنه صاحب أخلاق رفيعة، ومتوازن في أطروحاته، وملتزم بالقضايا الاستراتيجية. شبكة الاتصالات لدى النعيمي تُعتبر واحدة من أكبر شبكات المعارف، إذ قلما يوجد من لا يعرفه في مختلف الأقطار العربية... وأحد أسباب حضوره المكثف للفعاليات كثرة الدعوات التي يتلقاه ممن يود رؤيته والاستماع إليه والتحدث معه. النعيمي أنموذج البحريني المنفتح على القضايا المركزية العربية بشكل متماسك ومتواصل ومن دون تراجع، وأنموذج البحريني الذي يتحرك بصورة فعلية من دون حساسيات طائفية، ولذلك كان ومازال يمثِّل جسرا تواصليا بين الجميع. النعيمي كان وسيبقى معلما تفتخر به البحرين، ودعاء الجميع أن يعود سالما إلى كل محبيه.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1688 - الجمعة 20 أبريل 2007م الموافق 02 ربيع الثاني 1428هـ