العدد 1688 - الجمعة 20 أبريل 2007م الموافق 02 ربيع الثاني 1428هـ

الآليات المؤسساتية التاريخية لتخلف الشرق الأوسط اقتصاديا

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

كان الشرق الأوسط في القرن العاشر إقليما متطورا وفقا لمقاييس معيار المعيشة، والتكنولوجيا، والإنتاجية الزراعية، والقراءة والكتابة والإبداع المؤسساتي. ولكنه فشل في ما بعد في مجاراة التحول المؤسساتي الذي تمكنت أوروبا الغربية من خلاله من زيادة قدرتها على حشد الموارد، وتنسيق الأنشطة الإنتاجية وعقد التبادلات. وعلى رغم محاولات الإصلاح، بقيت المؤسسات الإسلامية التقليدية عاملا من عوامل التخلف الاقتصادي في الشرق الأوسط.

يجب الإشارة في البداية إلى أن هذا المقال لا يعتبر الإسلام غير متوافق مع النمو الاقتصادي والتطور. إذا كان الشرق الأوسط قد أخفق في تطوير مؤسساته الاقتصادية - وكان مجبرا على «نقلها» من الخارج - فليس لأن الإسلام قد منع التطور، بل بسبب تفاعلات سلبية غير مقصودة بين المؤسسات الإسلامية المصممة لخدمة أهداف اقتصادية نبيلة كالكفاءة والعدالة.

لم «تنزل» المؤسسات الاقتصادية الإسلامية في عهد الرسول (ص) ولم تكن العناصر الرئيسية موجودة عام 661 عند نهاية عصر الخلفاء الراشدين، كما أن هناك القليل من المؤسسات الاقتصادية التي ورد ذكرها في القرآن. إن الخصائص الاقتصادية المميزة للحضارة الإسلامية لم تتطور وتُؤسَّس بشكل متين إلا بحلول العام 1000 للميلاد تقريبا. والسؤال المطروح هو: ما المؤسسات المسئولة عن الركود الاقتصادي لدول الشرق الأوسط؟

أولا، خلال القرون التي تلت ظهور الإسلام، أنتج القانون الإسلامي منظومة غنية من المبادئ وإجراءات منظمة للعلاقات التعاقدية. هذا البناء القانوني، إذا ما قورن بالأنظمة القانونية في ذلك العصر، كان يوفر للتجار والمستثمرين مرونة عالية. أما من وجهة النظر الحديثة، فإن القانون الإسلامي لا/ لم يترك مجالا للشركات أو المشروعات التجارية الجماعية - حقوقا شرعية مميزة عن حقوق الأفراد الذين يمولونها أو يخدمونها. لقد اعترف القانون الإسلامي فقط بالأفراد الحقيقيين، وبينما يستطيع أعضاء الشراكة مقاضاة أحدهم الآخر كأطراف في عقد معين، لا تمتلك شراكتهم مقاما أو منصبا قانونيا خاصا بها.

ثانيا، على رغم أن بعض القروض كانت تقدم عن طريق شراكات صغيرة وقصيرة الأمد، إلا أنه لم تكن هناك مصارف قادرة على حشد وتوفير موارد كبيرة، أو على دعم الاستمرارية بعد وفاة المساهمين الأصليين.

ثالثا، إن النظام الوراثي الإسلامي مصمم بحيث يقسم الثروات لأهداف مساواتية. وقد كان لذلك أثر غير مقصود في كبت الابتكار المؤسساتي. إذ حد من تركيز الثروة كما أعاق إمكانية الحفاظ على المشروعات التجارية الناجحة أو أصولها المالية عبر الأجيال. فكانت النتيجة تشتيت الملكية والثروات.

رابعا، كانت دويلات الإقليم عازفة عن تقديم الخدمات العامة وشبه العامة. لذا، فإن القليل من الجوامع الكبيرة والمكتبات والأبنية الخيرية كان يمول من قبل الدولة، بل كان يتم توفيره من قبل مؤسسة الوقف عن طريق تحويل ملكية خاصة ثابتة إلى هبة لدعم خدمات اجتماعية: مدرسة أو مصدر مياه أو جامع. فأصبح الوقف «وسيلة لتمويل الإسلام كمجتمع» مع العلم أن المؤسسات الإسلامية الأصلية لم تحتوِ على الوقف الذي لم يتم ذكره في القرآن.

لقد أدرج الوقف ضمن الثقافة الإسلامية بعد قرن من ظهور الإسلام، غالبا كحل لإشكالية عدم استقرار حقوق الملكية الخاصة. فانعدام الضمانات الوقائية ضد الضرائب الانتهازية والمصادَرة كان مصدرا هائلا لقلق أصحاب الأملاك الذين قاموا بالاستفادة من وسيلة تمكنهم من حماية أموالهم الشخصية وتعزيز الحماية المادية لعائلاتهم.

إن منح الملكية كوقف يعطيها حصانة جوهرية ضد المصادرة. فقد كان مؤسس الوقف يتمتع بامتياز تعيين نفسه مسئولا بحيث يستطيع أن يدفع لنفسه راتبا ضخما ويعين أفراد عائلته في مناصب مدفوعة الأجر. كما يستطيع أيضا أن يتحايل على ضوابط الوراثة الإسلامية من خلال تعيين أحد أبنائه خليفة له وحرمان من يحتاج من أقربائه الآخرين. ولم يكن تأسيس الوقف آنذاك مجرد تعبير عن الإحسان. فبالإضافة إلى تعزيز مؤسس الوقف لسيطرته على ثروته، كان يعمل أيضا على التقليل من مخاطر فقدانها بالكامل لحاكم متعطش للموارد المالية.

ولأن نظام الأوقاف حبس الموارد المالية في استخدامات تم تحديدها منذ قرون خلت، أصبحت تلك الموارد عاطلة أو مختلة الوظيفة. ومن المظاهر الساطعة على هذا الجمود بطء النظام في توفير الخدمات الحضرية الجديدة. وبالإضافة إلى ثقله الاقتصادي الجسيم، فقد أسهمت الجهود الرامية للإفلات من قوانين النظام في شيوع الفساد الذي أعاق التجارة والاستثمار، كما أنه كبح المطالبة بحقوق الملكية المحفوظة دستوريا، وذلك من خلال دفع الأفراد إلى ابتكار تحايلات يمكن أن تحفظ لهم بعضا من ثرواتهم.

لنبدأ بالأخبار السيئة، إذ أنه لا يمكن رفع الشرق الأوسط من حالة تأخره الاقتصادي في المدى القريب. حتى وإن قدر لجميع السياسات الحكومية السيئة التخطيط في الإقليم أن تختفي اليوم، فإن القطاع الخاص سيحتاج إلى عقود طويلة من الزمن ليتطور. أما الأخبار السارة فهي أن الإصلاحات الاقتصادية ممكنة التحقيق دون معارضتها للإسلام كدين. ومهما كانت نتائج الصراعات الجارية حول تفسيرات الإسلام في المجالات الأخرى - التربية والتعليم، حقوق المرأة، حريات التعبير - فإن المؤسسات الاقتصادية الرئيسية للرأسمالية الحديثة قد تم تبنيها منذ وقت ليس بالقصير مما جعلها تبدو غير أجنبية، لذا أصبحت مقبولة ثقافيا، حتى لدى الإسلامويين المضادين للحداثة. إضافة إلى ذلك، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التقليد الإسلامي الطويل في تحديد الدور الاقتصادي للحكومة، فليس هناك من تعارض بين الإسلام والنظام الاقتصادي الذي يعتمد على المشروعات التجارية الخاصة بشكل أساسي.

*أستاذ الملك فيصل للفكر والثقافة الإسلامية في جامعة كاليفورنيا الجنوبية، لوس أنجليس، والمقال ينشر بالتعاون مع مصباح الحرية

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1688 - الجمعة 20 أبريل 2007م الموافق 02 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً