«كان يؤمن بأهمية الحوار الذي يحتاج إلى الصبر وسعة الأفق والقدرة على الاستماع»... «لقد قدم معنى أصيلا لاختلاف الرأي الذي يجد له مكانا على الأرض»... «بالحوار أمكنه أن يفهم ويتفهم»...«الحوار مبدأه وطريقه ووسيلته وصراطه المستقيم الذي عاش على أمل أن يبقى هو السبيل والمخرج للبحرينيين».
بهذه العبارات البسيطة أرادت عائلة الفقيد المناضل هشام عبدالملك الشهابي أن تصفه في حفل تأبيني أقيم مساء أمس الأول في مقر جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، بمناسبة مرور 40 يوما على وفاته.
في بداية الحفل الذي حضره عدد من الشخصيات الوطنية والسياسية، من بينهم الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان، والأمين العام لجمعية العمل الإسلامي الشيخ محمد علي المحفوظ والمناضل أحمد الشملان ورئيس الاتحاد العام لعمال البحرين سيدسلمان المحفوظ، والناشط السياسي عبدالوهاب حسين، كانت هناك كلمة لعائلة الفقيد، قالت فيها: «آن لنا الليلة أن نضع الرحال في هذا المقر الذي كان للراحل هشام الشهابي مكان فيه، وفيه طاف وجال، وله أسس وبنى، وصافح ومازح واجتمع واختلف واتفق وقدم نموذجا لمعنى أصيل لاختلاف الرأي الذي يجد له مكانا على الأرض».
وأوضحت العائلة أن «الفقيد ما انتكس وما هان ولا ضعف، فقد كان يعلم ما يريد، واضحة أمامه معالم الطريق، في يديه مفاتيح لأبواب مصمتة، شاخصة عيناه إلى حيث المخارج التي يرى أن على من يود الذهاب إليها أن يعالج فتحها، فهي لن تفتح له من تلقائها، وأن المعجزات لن تهطل علينا من السماء».
وفي كلمة ألقاها الشيخ محمد علي المحفوظ نيابة عن الجمعيات السياسية، أشار إلى أن المناضلين لا يبحثون عن نعي أو مرثية، لأن الله سبحانه وتعالى حسبهم أحياء عندما أحيوا قيمهم السامية في سلوكهم وممارساتهم، ولكن الموت حق.
وتابع «لا شك أن ارتحال المرحوم هشام الشهابي يستثير العقول والهمم، عندما نعرف أنه كان رجلا توافقيا يستطيع أن يتجاوز المساحات دون استئذان، فينتقل من موقع إلى آخر بعيدا عن الحزبية والفئوية وتداعيات السياسة، وخصوصا ونحن نعيش في ظل التردي السلوكي».
ورأى المحفوظ أن هناك حاجة لاستحضار الحياة التي أحيا فيها هشام قيم التواصل والانسجام، مشيرا أنه «لا يهم النظر إلى الموقع أو الإطار بقدر القيمة التي يحملها الإنسان في داخله».
ووصف رحيل الفقيد بأنه «كان مفاجئا لحاجة الوطن لمثل هشام الذي تعالى على الأيدلوجية والحزبية التي شغلتنا بها تداعيات السياسة، ومن الأكيد أن هشام كان يحلم بشراكة وطنية تؤدي إلى شراكة سياسية تقوم على دستور تعاقدي، حاولوا وعملوا على أن يكون في طيات الماضي، بينما لا يمكن أن تقوم حياة في مجتمع من دون تعاقد وعقد العزم على بناء المجتمع».
ونوه أمين عام «العمل الإسلامي» إلى أن «هذا الوطن لن تقوم له قائمة، ما لم يعد إلى الأصل، وهو النظام الكوني الذي بناه الله، فمن دون التعاقد ستعود الفوضى، والحياة لا يمكن إلا أن تقوم على تعاقد اجتماعي يُمكن الإنسان مهما كان جنسه أو لونه أو عرقه من الوصول إلى أعلى الهرم، بعيدا عن الجغرافيا والأيدلوجية والأحزاب».
وعلى اعتبار أن المناضل الشهابي هو من أسس مع رفيق دربه عبدالله مطيويع اللجنة التأسيسية لاتحاد عمال وموظفي المهن الحرة في العام 1972، فإن الأمين العام لنقابات عمال البحرين سيدسلمان المحفوظ آثر إلا أن يلقي كلمة في حق الفقيد بهذه المناسبة قال فيها: «حين كانت الكلمة مصادرة والآمال محبطة، فإن ثمة رجال ونساء وقفوا من أجل مستقبل هذا البلد، ونستذكر هنا شيخ المناضلين ورمز الحركة الدستورية الشيخ الجمري رحمه الله والقائد الوطني الراحل أحمد الذوادي والصوت القيادي الوطني عبدالرحمن النعيمي عافاه الله، وغيرهم من الرجال الذين نتوقف عن ذكرهم اختصارا للوقت».
وأردف «كأنما كتب على هؤلاء الباذلين أن يظلوا حتى بعد ازدهار الثمار، ضحية للحرمان ومثالا للعطاء بلا حدود من دون أي عائد، ولكن لا اعتراض على إرادة المولى عز وجل وحكمته التي اقتضت أن يقضي هؤلاء وهم في سمو التضحية ورفعة البذل وعلو التعفف، من دون أن يصيب أيديهم ولو حتى الشيء البسيط، مما قد يخدش هذه التضحيات العظيمة، ومن بينهم فقيدنا الراحل هشام الشهابي الذي قضى جزءا من حياته وأنفق شطرا من شبابه وعمره مناضلا في الحركة الوطنية العمالية بعيدا عن أضواء الحياة».
ولفت المحفوظ إلى أن «الحركة النقابية الحديثة في بداية تأسيس اتحادها عندما انطلقت واستهلت تاريخها بتكريم رواد العمل النقابي وتوجت عددا من هؤلاء بأوسمة العمال تقديرا لنضالهم، فاتنا أن نلتفت إلى هذا الرجل الذي نشعر اليوم أننا ظلمناه حيا بالنسيان، وهو ظلم نسأل روح الراحل العزيز أن تغفره لنا، وعذرنا أن أحدا ممن زاملوا هذا المناضل العصامي، لم يتوقف ليقول مهلا ثمة رجل آثر الصمت والانزواء فدعونا لاننساه».
وتساءل «على أي حال كم مثل هشام الشهابي ممن تحفظهم الذاكرة الوطنية؟ حتى لو نسيناهم نحن نسيانا أم تناسياُ فذاكرة الوطن ستكون دائما وأبدا أكثر من شبابا من ذاكرتنا، فقد يصيب ذاكرتنا الترهل والجفاف وربما العطب بسبب العمر، غير أن ذاكرة الوطن تبقى غضة طرية عصية على التقادم والزوال، فها نحن نؤبن هشام مناضلا وطنيا وسياسيا ونقابيا، لم يحسب نفسه على فصيل معين غير فصيل البحرين».
وبحسب رأيه فإن «المناضلين الحقيقيين يتميزون دائما بالتواضع وعفة النفس والزهد في الأضواء، الانتماء للجميع في حب الوطن، وآخر ما نتعلمه من رحيل الشهابي هو ربما حاجتنا لأن نقيم يوما كمجتمع ومنظمات مجتمع مدني نصبا للمناضل المجهول كما تفعل الحكومات لجنودها، علنا هشاما وربما ألف هشام من الذين قالوا لنا بصمتهم العظيم، خذوا من خيرنا وتضحياتنا واتركونا في صمت الإيمان وظل التعفف».
أما رفيق درب الشهابي عبدالله مطيويع فتحدث عن جوانب من علاقته به، ذاكرا أن «هشام غادرنا بروحه ومبادئه وأحلامه، ولكنه مازال في الوجدان الشخصي والوطني والشعبي، ومن المضني والعسير جدا الكتابة عن الأحبة الذين يغادرونا، والأعسر من ذلك الحديث عن هشام الذي كان الأخ الذي لم تلده أمي، وهو رفيق درب طويل وعسير ووعر ومليء بالأشواك».
وواصل حديث الذكريات بقوله: «منذ مشينا في القرن الماضي في ذلك الزمن الوعر والمليء بالتحديات والمخاطر، كان هشام من النوع الذي لم يكل أو يمل أو ينحني، ففي هذا المبنى ويوم أصدرت وزارة العمل قرارا باعتبار الجمعيات السياسية كالجمعيات الخاضعة لإدارتها، توجس البعض من حل الجمعيات إن لن تقدم نظامها الأساسي، فأطلق هشام مقولته الشهيرة التي مازالت تتردد (هذا الطابوق والإسمنت ليس أغلى من شعب البحرين)».
عن نفسه، استعرض سعيد العسبول الذي كان قريبا من صديقه الراحل حتى وقت وجيز من وفاته، بعض من سمات الشهابي فقال: «اجتمعت في المناضل الشهابي خصال نضالية ووطنية، قلما وجد لها نظير في غيره، فالمواقف المبدئية كانت سمة من سماته الرئيسية، فلم يتزحزح عنها قيد أنملة، على الرغم من تبدل الظروف والأزمنة، فلم تستطع الانتهازية التي طفحت على سطح حياتنا السياسية اليوم أن تطال منه، أو تلوثه بملوثاتها، بل استمر في عمله النضالي الوطني والمهني الدؤوب في صمت، لا يشبهه إلا صمت صحارانا العربية الصامدة».
وأخيرا، كانت الوقفة مع الأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي إبراهيم شريف، الذي أفاد بأن هشام الشهابي لم يكن يسلك الطريق لوحده، فمعه كان المناضل الشيخ عبدالأمير الجمري وأحمد الشملان وإبراهيم كمال الدين وعبدالوهاب حسين والشيخ عيسى الجودر.
وأشار إلى أن «هناك الكثيرين ممن لا يعرفون هشام، وذلك ربما يعود إلى أنه لم يكن محاطا بأضواء الشهرة، فهو البسيط الذي يزرع وليس لديه مشكلة في أن يحصد غيره، وواحد من قلة بإمكانهم قراءة المنعطفات المهمة، ولا يتقلب تبعا لأمزجة الناس من أجل زعامة من غير مبادئ».
وأضاف «كان هشام يقصد حيه للسلام على الناس وخدمتهم من دون مقابل، وعندما تخلى كثير من الناس عن مبدأ المواطنة المتساوية ورفعوا شعار الطائفة، كان هشام يدافع عن حضن الوطن الدافئ، وعندما لاحت له فرص الثراء، قال: أنا ثري بكم ولكم».
العدد 2254 - الخميس 06 نوفمبر 2008م الموافق 07 ذي القعدة 1429هـ