الفلسطينيون اليوم في موقف جيد لتقرير مستقبلهم. خلال الفترة الماضية اتحد الفصيلان الفلسطينيان المتناحران، «حماس» و «فتح»، في مجلس وزاري ناتج من مصالحة وطنية. الفلسطينيون يملكون احتمالات لا حدود لها إذا اتحدوا على نضال لا عنفي.
شكّل الطرفان حكومة جديدة عرضت على «إسرائيل» هدنة وعبّرت عن احترامها الاتفاقات السابقة بين «إسرائيل» ومنظمة التحرير الفلسطينية. كما أظهرا كذلك استعدادا للاعتراف بـ «إسرائيل» عندما تحدد حدودها مع الفلسطينيين وتخفف من عبء الاحتلال وتتجاوب بأسلوب إنساني مع حق العودة للاجئين الفلسطينيين. رفض الإسرائيليون حتى الآن الحكومة الفلسطينية الجديدة وبرنامجها، على حين يستمر الحصاران السياسي والاقتصادي على المجتمع الفلسطيني بأسره. في أثناء ذلك يستمر الاحتلال القاسي وتتسع عمليات الاستيطان غير الشرعي وبناء جدار العقوبة والعزل.
العرب جددوا في الرياض أخيرا دعوتهم «إسرائيل» إلى السلام. الاقتراح العربي يتبادل تطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية مقابل العودة إلى «حدود العام 1967». خطة السلام العربية المتجددة تطلب من «إسرائيل» الانسحاب من الأراضي المحتلة ومرتفعات الجولان السورية. الأهم من ذلك أن المبادرة السعودية تضم شرطا مسبقا للتسوية السياسية، هو عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم. إلا أن «حق العودة» في إعلان الرياض تم صوغه ببعض الغموض؛ ما يترك مجالا لحل وسط يعني برمجة مستقبل أكثر إشراقا للفلسطينيين الذين يعيشون في المخيمات، من دون إرباك التركيبة السكانية الإسرائيلية وإغراقها.
تغيرت ديناميات العملية السلمية خلال فترة وجيزة، فعبر السنوات السبع الأخيرة ابتعدت «إسرائيل» بنفسها عن مفاوضات السلام مدّعية أنه لا يوجد شريك جاد على الطرف العربي. واليوم أصبح الشريك الفلسطيني - بدعم من الدول العربية - مستعدا للرقص، إلا أن «إسرائيل» تعاني من كاحلٍ ملتوٍ.
على رغم التردد، فإن آخرَ ما تقوله «إسرائيل» هو: إن رئيس الوزراء إيهود أولمرت مستعد للقاء قادة الدول العربية لبحث السلام. العرب رفضوا ذلك، مصرين على انسحاب «إسرائيل» أولا. في أثناء ذلك تقوم «إسرائيل» باختبار أهمية الوضع الفلسطيني والعربي الجديد: الوحدة الفلسطينية و «حماس» صقلتها الدبلوماسية وإجماع عربي على السعي وراء التطبيع. لم يحصل في السابق أبدا أن قام العرب بصوغ شروط سلام بتناغم ومنطق وعقلانية كما فعلوا الآن.
يأمل المرء في أن يقوم أولمرت - بدعم من الولايات المتحدة - بأخذ عرض السلام العربي بجدية أكثر. منذ إنشائها تقبع «إسرائيل» في وسط بيئة إقليمية غريبة عنها ثقافيا. ويحتاج الأمر إلى زعيم قوي لتحويل خوف «إسرائيل» من وَسَطها، الذي يصيبها بالشلل (والأوضاع الإقليمية المتغيرة بشكل مستمر) إلى وضع ثقة بالشراكة مع الفلسطينيين والمجتمع العربي على اتساعه.
وتدعي «إسرائيل» - استجابة لخطة الرياض للسلام - أن حق عودة الفلسطينيين إلى وطنهم «سخيف»؛ إذ إن من المحتمل أن يغير الشخصية اليهودية للدولة. وتتجاهل «إسرائيل» المرونة العربية التي أُعرب عنها أخيرا عن موضوع اللاجئين؛ لأن قادتها منقسمون على هذا الموضوع. يتوجب على «إسرائيل» أن تلاحظ أن مفهوم «عودة اللاجئين إلى وطنهم» يمكن أن يعني من حيث المبدأ «العودة إلى دولة فلسطينية مستقبلية». قد تلعب التعويضات المالية وبرنامج تمكين اقتصادي للاجئين دورا رئيسا في عملية العودة والتعويض.
لقد أصبحت هناك في سجل الحوار بعض الأفكار المفيدة للتعامل مع مأزق اللاجئين الفلسطينيين. في العام 2003 تفاوضت مجموعة من السياسيين تمثل طرفي النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني على إطار للسلام أطلق عليه اسم معاهدة «جنيف». هذه المبادرة غير الرسمية التي تفاوض عليها يوسي بيلين وياسر عبدربه قدمت إرشاداتٍ ذات طبيعة ابتكارية لمستقبل الفلسطينيين النازحين والمستوطنين والإسرائيليين، واقترحت أن تقوم «إسرائيل» بالاعتراف ببعض المسئولية الأخلاقية والمالية لمعاناة ونزوح الفلسطينيين. ولا يسمح إلا بجزء من مجموع اللاجئين الفلسطينيين - بحسب معاهدة «جنيف» - بالعودة إلى حدود «إسرائيل ما قبل 1967»، ولا يبقى سوى جزءٍ من المستوطنين في الضفة الغربية.
أبدى ناشطو السلام في جنيف براعة في الافتراض والتسليم بأن اعتراف «إسرائيل» بنزوح حروب العام 1948 و1967 سيمثل اختراقا نحو التسوية له معانٍ ضمنية بعيدة. يتوجب على عملية التسوية أن تبدأ الاعتراف بارتكاب خطأ والمشاركة في المسئولية عن مستقبل خمسة ملايين نازح فلسطيني وخمسة ملايين مقيم في الدولة الفلسطينية المستقبلية.
عندما تعترف «إسرائيل» بالعمل الخاطئ الذي ارتكبته ضد الفلسطينيين عبر العقود الستة الماضية فمن الأرجح أنها ستشجع دولا أخرى على تحمّل المسئولية في المأساة الفلسطينية. يتوجب على العالمين الغربي والعربي - اتباعا لخطى «إسرائيل» - الانضمام إلى عملية تحمّل مسئولية ورطة الفلسطينيين.
تُعتبر شروط خطة السلام التي عرضتها الرياض على «إسرائيل» الأسبوع الماضي - من مفهوم اقتصادي - صفقة جيدة، تعود بموجبها 78 في المئة من الأرض إلى «إسرائيل» و22 في المئة إلى الفلسطينيين. تستمر «إسرائيل» في هذه الأثناء بالجدل على «حدود يمكن الدفاع عنها» ما وراء حدود العام 1967. إلا أن حماية الحدود عبر المساحات والجدران أو الأنظمة العسكرية المتقدمة لا يضمن الأمن والسلام لـ «إسرائيل» في غياب التفاهم والقبول المتبادل بين الأطراف المتناحرة.
إلى متى يظل عرض السلام العربي هذا ساري المفعول؟ يتوجب على «إسرائيل» أن تسعى بهمة ونشاط وراء عرض السلام هذا، أو المخاطرة بوقوعها رهينة لانعدام الأمن لفترة طويلة جدا. شروط السلام اليوم أكثر إنصافا، والفلسطينيون على استعداد أكثر للتسوية وقبول حل وسط، والعرب يدعمون الشروط الفلسطينية. في عددها الصادر في 30 مارس/ آذار الماضي، كتبت الصحيفة الأميركية اليهودية «ذي فورورد» (The Forward): «الخطة السعودية تحتوي على مخاطر على (إسرائيل) ولكنها مخاطر يستطيع الإسرائيليون عبورها. الخطر الأعظم الآن هو أن تضيع فرصة حقيقية للسلام. السعوديون يتخذون مخاطرة هائلة في تعريض أنفسهم للمتشددين أنصارا لـ (إسرائيل). إنهم بحاجة إلى التشجيع وليس الإساءة».
إذا استطاع الفلسطينيون الحفاظ على وحدتهم توجّب على «إسرائيل» قريبا أن تفكر في الانسحاب بشروط سلام معقولة. وكما أظهر التاريخ لا يستطيع الفلسطينيون التوحد لفترة طويلة إلا من خلال مقاومة تتوجه نحو السلام. وكلما ازدادت عرى الوحدة قوة بين الفلسطينيين، قلّت فترة انتظار «إسرائيل» لإنهاء احتلالها الظالم.
*معلق عربي أميركي ومدير الشرق الأوسط السابق لمجلس «الكنائس العالمي»، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «Common Ground» الإخبارية CGNew
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1687 - الخميس 19 أبريل 2007م الموافق 01 ربيع الثاني 1428هـ