شهد العالم صباح الاثنين الماضي أكثر الهجمات دموية في تاريخ الجامعات الأميركية، بالمذبحة التي أودت بحياة 33 من الطلاب في حرم جامعة فرجينيا، وانتهت بعد ساعتين ونصف الساعة بانتحار القاتل.
البيت الأبيض أمر بتنكيس الأعلام لمدة أسبوع حدادا على أرواح الضحايا، فيما واصل الإعلام الأميركي تغطيته المحمومة للحادث المرعب. وبعث الرئيس جورج بوش رسالة تعزية لأسر الضحايا قال فيها: «ينبغي أن تكون المدارس أماكن مقدّسة وآمنة، وعندما تنتهك هذه القدسية فإن أثر الشعور بذلك يكون داخل كل فصل دراسي أميركي»، وهي قدسيةٌ نساها تماما في العراق!
التقارير الصحافية قالت إن بلاكسبرج (حيث وقع الحادث) كانت مدينة صغيرة رائعة الجمال حتى وقع الحادث. واتضح أن القاتل طالبٌ من كوريا الجنوبية يبلغ 23 عاما، وقد ترك رسالة مطوّلة هاجم فيها «المجون» و «الدجّالين» و «أبناء الأغنياء» لتبرير فعلته.
في مساء اليوم التالي، احتشد آلاف من طلبة الجامعة لتأبين الضحايا تحت ضوء الشموع، مستذكرين كيف تحوّلت صفوفهم الدراسية إلى غرف إعدامٍ على يد مسلحٍ واحدٍ امتلك مسدسين فقط، وكان يفتح النار على ضحاياه وهو يضحك.
زعماء العالم أعربوا عن صدمتهم للحادث، وفي مقدمتهم البريطاني بلير والفرنسي شيراك والألمانية أنجيلا ميركل، فيما أعرب رئيس كوريا الجنوبية عن «صدمته» وتعازيه لأهالي الضحايا، وهكذا عبّر بابا الفاتيكان عن حزنه «للمأساة»... فالمأساة حينما تقع في أميركا فعلى العالم كله واجب تقديم العزاء وإظهار الجزع. نقول ذلك وكلنا تعاطفٌ مع عوائل الضحايا، فما جرى جريمةٌ لا يبرّرها أيّ منطقٍ أو سياسةٍ أو دين. كما أن الضحايا بشرٌ من خلق الله، ولكلٍّ منهم آمالٌ في الحياة وأحلامٌ بالمستقبل، كلها تمّت تصفيتها واغتيالها في لمحة عين.
الحادث المروّع أثار موجة جديدة من الجدال بشأن قوانين بيع وتداول السلاح، الذي يقف وراءه البيت الأبيض وتجار الأسلحة. هذه الجدلية تثور كلما وقعت جريمةٌ في إحدى الجامعات أو المدارس الأميركية كل خمس سنوات، وتثور بهذه القوة، لأن الضحايا -ببساطة-ٍ أميركيون. أما لو حدثت المذبحة في أيّ بلد آخر من العالم، فلن تزعج وسائل الإعلام الأميركية نفسها بتغطيتها أو مناقشة أسبابها أو إشعال الشموع على قبور الضحايا والمغدورين.
نرى ذلك، وأعيننا على العراق المحتل، الذي يدفع كلفة حماقات المحافظين الجدد ومخطّطاتهم، وتُنفّذ على أراضيه سياسة «الفوضى البناءة»، وعلى رأسها إثارة الفتنة الطائفية في العراق، يساعدها على تنفيذ مخطّطاتها تلك المجاميع «الجهادية» التي أصرّت من البداية على شق صفوف العراقيين وإثارة الفتنة ين طوائفهم، وقتلهم بالسيارات المفخّخة بالجملة، واستهداف الأبرياء في الشوارع والمطاعم والمدارس والجامعات والمساجد، بحيث لم يبقَ مكانٌ آمنٌ له قدسية عند هؤلاء القتلة.
الكوري الجنوبي برّر قتل ضحاياه بمحاربة المجون وأبناء الأغنياء، أما في العراق الذي يتعرّض لسبي جديد على يد المحتل الأميركي، فإن القتل الجماعي للعراقيين كالنعاج فتتم باسم «الإسلام» و«المقاومة» التي تروّج لها فضائياتنا العربية ذات المشاعر القومية والإسلامية العارمة. هذه «المقاومة» تصيب جنديا واحدا للاحتلال مقابل الإطاحة برؤوس خمسين عراقيا كل يوم.
قاتل الطلاب الأميركيين لن يجد من يتعاطف معه في العالم أجمع، أما قتلة العراقيين فيجدون إعلاما عربيا طائفيا مريضا يمجّد مذابحهم اليومية. والعالم الذي سيذرف دموعا غزيرة على ثلاثة وثلاثين أميركيا، لن تبقى في مآقيه دموعٌ يذرفها على مآسي العراقيين. فالشعب العراقي أصبح نعجة مذبوحة يتناوشه رصاص المحتل وتقطع أشلاءه مفخخات «المجاهدين».
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1686 - الأربعاء 18 أبريل 2007م الموافق 30 ربيع الاول 1428هـ